المتابع لمجمل التطورات التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي يتبين له أنها ليست ذاهبة باتجاه التهدئة أو المصالحة الذي قلنا إن الحكم بتأجيل انتخابات مجلس النواب, وفر فرصة ذهبية لإنجازها أو علي الأقل للسعي الجاد إليها لكن شيئا من هذا لم يحدث ويبدو أنه لن يحدث قريبا طالما تمسك الحكم والمعارضة بأفكارهم الأيديولوجية حتي لو تسبب ذلك في خراب البلد وبهدلة أهلها علي موائد اللئام طالبين قروضا من صندوق النقد الدولي وهو الأمر الذي يستحيل تحقيقه في ظل الانقسام الحالي وأقصي ما عرضه الصندوق مساعدات عاجلة سارعت الحكومة برفضها بحجة أنها تضر بالاقتصاد الوطني. المهم أن بداية الأسبوع جاءت عاصفة من خلال الاشتباك بين شباب الإخوان وعدد من معارضيهم الذين ذهبوا السبت قبل الماضي لرسم جرافيتي يعبر عن آرائهم وهو المشهد الذي تكرر في أماكن عديدة مثل التحرير وقصر الاتحادية لكن سلوكهم لم يرق لبعض عناصر الإخوان فاشتبكوا معهم وأوسعوهم ضربا ولم تمنع الشهامة والرجولة من قيام أحد شباب الإخوان بصفع إحدي الناشطات علي قفاها مما أشعل ثورة غضب علي ال( فيس بوك) سرعان ما تحولت إلي الدعوة إلي مليونية لرد الاعتبار يوم الجمعة وهي المناسبة التي شهدت حرب شوارع بين الجانبين أسفرت عن إصابة نحو165 شخصا وحرق6 أتوبيسات لجماعة الإخوان, إضافة إلي اقتحام عدد من مقار حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة في عدد من المحافظات, وهو مشهد إن دل فإنما يدل علي تزايد حالة السخط والغضب في الشارع المصري تجاه سياسات وممارسات الجماعة. والغريب والمريب أن تتعامل الجماعة بمنطق النظام السابق مع الغاضبين والمحتقنين فلم ير قادتها في الذين شاركوا في جمعة رد الاعتبار سوي حفنة من البلطجية وهو نفس ما كان يقوله أنصار مبارك علي ثوار التحرير قبل أن تنجح الثورة في الإطاحة بنظامه في11 فبراير2011. بل إن أحد قادة الجماعة قال إن شباب الإخوان قادر علي إبادة محاصري مقر المقطم لولا بقية من ضبط النفس وهذه جريمة في لغة وعرف السياسة التي لا تعتبر المخالفين في الرأي بلطجية يحسن الخلاص منهم بدلا من التفاوض معهم. إن ما حدث من كر وفر أمام مقر جماعة الإخوان بالمقطم يؤكد أن حالة الاحتقان بلغت ذروتها ويثبت فشل الجماعة في تبني سياسات تلم الشمل وتفي بالوعود التي قطعتها علي نفسها في ذروة المعركة الانتخابية سواء عبر الحديث عن برنامج النهضة أو برنامج المائة يوم من تولي الرئيس محمد مرسي منصبه. وواقع الحال أن المواطن البسيط يري الأمور تسير من سييء إلي أسوأ وسرعان ما تحولت الأماني والأحلام التي راودت الذين صوتوا للإخوان إلي كوابيس وندم, بعدما تسببت سياسات الجماعة في انهيار الجنيه أمام الدولار وغلاء المعيشة وتراجع الشعور بالأمن وهو ما تترجمه حالات الخطف والسرقة بالإكراه والانفلات الأمني الذي يكتوي بناره قلب القاهرة. لقد تراجعت هيبة الدولة في زمن الإخوان إلي درجة خطيرة وبتنا أمام مشاهد يطبق الأهالي حد الحرابة بأيديهم علي نحو ما شهدنا في محلة زياد بمركز سمنود عندما قتل الأهالي لصين ومثلا بجثتيهما وعلقوهما بموقف السيارات انتقاما من محاولتهما سرقة طفلة وطلب فدية من أهلها وهي الحادثة التي تكررت نحو12 مرة في قري بالمنوفية وسائر المحافظات وعلي محور6 أكتوبر مع لصين حاولا سرقة سيارة وهذا يدل علي غياب دولة القانون التي تشكل أحد أهداف ثورة25 يناير. هذه الإرهاصات بدلا من أن تدفع الإخوان إلي مراجعة حساباتها إذا بها تواصل بعث رسائل سلبية للمجتمع, مثل تمرير قانون الصكوك في مجلس الشوري دون عرضه علي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في مخالفة فجة للدستور كما أنه لم يحظ برضا الإسلاميين وليس المعارضة مما يجعله عرضة للطعن والحكم بعدم دستوريته علي غرار ما حدث مع قانون انتخابات مجلس النواب. ليس هذا فحسب بل إن الجماعة استبقت تقرير لجنة المفوضين في القضاء الاداري الذي أوصي بحل الجماعة بالقول إنها تحولت منذ أيام إلي جماعة دعوية, وهذا يعكس استخفافا بعقولنا إذ متي وكيف تم هذا التحول وهل بات من الممكن معاملة الإخوان مثل الجمعيات الأهلية, تخضع للكشف عن مصادر تمويلها وأوجه إنفاقها وهذا ما لم يتحقق حتي كتابة هذه السطور علي الأقل. إن المشهد العام يبعث علي القلق وعدم الارتياح طالما بقيت آفاق التسوية السياسية مسدودة بين جماعة الإخوان والجبهة الوطنية للإنقاذ, فالسياسة لا تعرف الخصومات الشخصية ولا تعني ارتهان الوطن لصالح أجندات حزبية وفئوية ضيقة لكنها تعني مد الجسور والأيدي للخصوم والالتقاء في منتصف الطريق إذا كنا جادين في الوصول بالوطن والثورة إلي بر الأمان أما دون ذلك فمعناه أننا نسير بالبلاد علي نهج السنوات الأخيرة لمبارك حيث كانت كل المؤشرات تشير إلي بركان يغلي تحت السطح فيما كان لا يستمع إلا لبطانة السوء التي أوردته التهلكة وظني أن ورثته في السلطة كان يتعين أن يديروا الأمور بطريقة مختلفة وهو ما لم يحدث إلي الآن مما يعني أن ما شهده المقطم وكذلك حرق مقار الحرية والعدالة واشتباكات العسال في قلب القاهرة ليست سوي مقدمات البركان. رابط دائم :