استطيع أن أري الآن بوضوح وأنا انظر إلي الخلف عبر ثلاثة عشر يوما من التحري والبحث والفحص مدي العذاب الذي عاشته المجني عليها وهي تتلقي الطعنات المؤلمة التي مزقت اوردتها ولحمها. أشعر بها وكأن القاتل كان يقطع جسدها وهي مازالت حية تنظر إليه في توسل بلا طائل حتي انتهي من تنفيذ جريمته.. هكذا كان يفكر مفتش المباحث ويحدث نفسه وهو يقف في الصالة مسرح الجريمة داخل الشقة التي شهدت ما يجمد الدماء في العروق ويزلزل المشاعر ويصيب بالغثيان وبدأ الضابط يري القضية تتشكل أمامه من جديد. وعاد بذاكرته يري الشاهد الأول في القضية وهو يروي أنه كان يمشي في شارع الاسقفين بمنطقة العطارين بالإسكندرية وهو يرتاب في رجل يسير حاملا حقيبة بلاستيكية في حالة ارتباك فتتبعه ببصره حتي رآه يقف امام أحد صناديق القمامة ثم يخرج كيسا من البلاستيك من داخل الحقيبة التي يحملها ويلقي به داخل الصندوق ثم يمضي في سيره, فأسرع ناحية الصندوق واستخرج اليس ومد يده داخله.. وفجأة ارتعدت فرائصه من الخوف وتجمدت اصابعه وهي تقبض علي شعر رأس آدمية لا مرأة واتخذ قراره سريعا فأعاده مكانه وأسرع بمطاردة الشخص حتي تمكن من الامساك به واقتياده إلي نقطة شرطة شريف, وعكس ما توقع لم يقاومه الرجل الزائغ العينين مضطرب الحركات ساكت عن الكلام بالرغم من جميع محاولات الضباط وأفراد المباحث بالقسم. وبعد فترة بدأ الحديث ببطء وأرشد عن مكان صندوق القمامة الذي ألقي فيه بباقي أجزاء المرأة لم تكن هناك ذرة شك لدي رجال البحث الجنائي أن القتيلة زوجة الرجل الذي يقف عديم الاتزان الواقف بين ايديهم فبدأوا استدراجه بهدوء للاعتراف بجريمته, وبدأ الكلام يتقطر من فمه المرتعش كلمه مضغومة في أخري مع جمل تبدو وكأنه يهمس وفجأة ارتفع صوته بعبارة كانت تناديني باسماء رجال آخرين وهي جالسة بجواري ثم سكت تماما وكأنه لم يعهد الكلام من قبل. وتذكر ضباط المباحث كيف اخراج زجاجة عصير رطبة وقدمها للرجل المتصبب عرقا أمامه. وبدأت الصورة تتضح من حديث الجاني من جديد بقوله: كانت دائمة الخلاف والمشاحنات التي لا تنتهي اشتعلت في رأس لهيب الظنون والشكوك انها علي علاقة مع زوجها السابق.. الريب والظنون غلف كل أفعالها.. وبدأت أشعر بأنها تعرض عني وبدأت تزيد من البعد عني. ولا ينسي الضابط كيف اعتدل الجاني أمامه وجحظت عيناه ووضحت حروف كلماته بارتفاع صوته وكأنه يذيع بيانا مهما وهو يقول: بلال ليس من صلبي.. ابني ذو الأربعة شهر.. اعترفت لي بأنه ليس ولدي.. فارق السن ليس السبب.. ولدي لا تستحقه أمه وانفجر الرجل باكيا وانتفض جسده مع نحيبه المتعالي وخرجت من شفتيه كلمات متقطعة عن كرامته متقطعة عن كرامته وشرفه وولده البريء.. ولا تستحق أن تراه مرة أخري. وقفز إلي رأس المقدم هشام سليم رئيس مباحث قسم المنتزه مشهد الحقيبة التي تم ضبطها داخل الشقة التي قام بمعاينتها وبها ثلاثة سكاكين وما عثر عليه في أحد الاركان من اجزاء جثة المجني عليها عبارة عن جزع مفصول الرأس والساعدين عند مستوي المرفق والساقين من مستوي الركبتين وكذلك عظام الساقين واجزاء من الجلد بعضها مسلوخ واجزاء من الوجه بعضها مسلوقة داخل حلة- وراجع الضباط تحرياته السرية عن الواقعة التي اسفرت عن حدوث مشادة بين المتهم وزوجته المجني عليها حول عدم قدرته علي تلبية احتياجاتها المعيشية والجسدية واخباره بعدم بنوة الطفل الرضيع بلال فقام بضربها كعادته كلما اشتد الخلاف واحتدم بينهما, وكما تثبت من تحرير عدة محاضر سابقة ضده بالاعتداء عليها. وحضر إلي ذهن الضابط تجميع المشهد من زملائه بالطب الشرعي ورجال الفحص الجنائي بوضعهم الرأس المفصول للزوجة الذي تبين أن الجاني قام بسلقه بعد فصله جانبا وحدد المكان الذي كان يقف فيه الزوج عند بداية المشادة وتطورها إلي مشاجرة انقض فيها الجاني علي زوجته ضربا ولكما بيديه في وجهها حتي سقطت علي الأرض مغشيا عليها فاقدة الوعي وظهر أثر سحبها إلي داخل الحمام واحضر سكينا ومقصا ونزع ملابسها كلها وتم كشف مكان قيامه بالامساك بالسكين وقسوته وانتقامه في ذبح وأعمال السكين حتي فصل رأسها عن جسدها, وجمعت بقايا كشفت قيامه بتشويه الوجه وسلخ الجلد وتقطيع اجزاء منه وقيامه بوضع ما نزعه في اناء من الالومنيوم به ماء مغلي. وعاد الضابط يتذكر كيف بذل رجال المباحث جهودا مضنية مع القاتل لحثه عن الافصاح عن مكان الطفل بعد اعترافه باخفائه لدي أحد اصدقائه المقربين إلا أن الرجل لم يستجب لجميع النداءات والمحاولات لمعرفة مصيره, ولم ينس الضابط كيف اكدت التحريات السرية كذب الزوج القاتل وبدأ رجال الطب الشرعي والفحص يبدأون عملهم من جديد للعثور علي أي دليل يرشد عن مكان الصغير حيا أو ميتا إلي أنه تم التوصل إلي أكياس من اللحوم والعظام داخل ثلاجة المسكن محل الواقعة وبدأت عملية تجميع خيوط وقائع حدوث الجريمة وتبين أن القاتل بعد وضعه اجزاء من جثة زوجته في الماء المغلي حسب اعترافاته التفصيلة في مراحل التحقيق وامام النيابة قام بحمل الطفل من حجرة النوم وتوجه إلي الحمام وخنقه بكلتا يديه حتي فارق الحياة وتركه عقله بعيدا وتبرأ منه وهو يراه يتخلي عن كل الاعراف والمشاعر الآدمية والكونية ووضع الصغير داخل اناء كبير من الالومنيوم مليء بالماء المغلي ثم قام برفعه وتقطيعه إلي قطع صغيره ورمي بها في صرف الحمام وأراق عليها المياه لتنصرف إلي البالوعة ثم احضر كيس ووضعه فيه ما استعصي من عظام الصغير عن صرفه وهو ما كشفته معاينة النيابة بداخل الثلاثة التي وجد فيها عظام ساقين يشتبه في أن تكون آدمية وبالرغم من نفي المتهم قتله للطفل واصراره علي ارساله لاحد معارفه وقسمه مرة أخري علي أنه تركه في محطة اتوبيس منطقة العصافرة وخطاب يوصي بمن يجده أن يتكفل به ومبلغ خمسمائة جنيه إلا أن فحص وتقرير الطب الشرعي المعملي أن أحد الاكياس به نوعان لفصيلتي دم مختلفتين واحدة للأم القتيلة والاخري لولدها الرضيع واختلاط للحامض النووي للمجني عليها بحامض نووي آخر ثبت أنه للصغير كما ثبت فعل المتهم من تعمده ارتكاب جريمته, تدق علي رأس الضباط وتحاصر مخيلة الواقعة التي لا تنسي بتفاصيلها الاغرب من الخيال وكيف استطلعت المحكمة رأي المفتي للوقوف علي رأي الشريعة الإسلامية في إقامة الدعوي بالطريق الشرعي والذي رأي بعد اطلاقه علي الاوراق أنه لا توجد شبهة تمنعه القصاص فكان جزاء المتهم الاعدام قصاصا لقتله المجني عليهما زوجته وابنه عمدا جزاء وفاقا وأقرت المحكمة الموافقة علي الحكم عملا بنص المادة46 من القانون57 لسنة1959 وسجلت الجناية تحت رقم14925 جنايات المنتزه. رابط دائم :