في الحقيقة ان عملية طأفنة مصر من العمليات المستمرة والمهدفة ليس منذ الآن فحسب ولكن منذ فترات طويلة قد تبدأ من العهد الاستعماري او قبله.. لقد حاول الاستعمار طأفنة مصر والركوب علي موجة الاختلاف الديني ولكنها قد فشلت علي نحو بين جعلهم يجرون أذيال الهزيمة.. لم تنجح عملية الطائفية وإيقاع الفرقة بين المصريين علي أساس طائفي ومع ذلك فهذا المتغير أو العنصر وهي الطائفيةSectarian قد كانت ومازالت احد العناصر الفعالة التي يتم اللجوء اليها.. لم تكف القوي الاستعمارية والمتربصة بمصر ولها فيها مصالح اقتصادية ومتشعبة غير حسنة النوايا عن الطرق علي ابواب الطائفية.. وهي قد تري انها لم تنجح في السابق بالنظر لوجود متغيرات كثيرة تساعد علي تكاتف الشعب المصري وعلي وأد الطائفية في مهدها إلا أن الظروف والأوضاع قد تغيرت الآن عن ذي قبل ومن ثم فلما لا تعيد المحاولة؟ لقد كان في السابق هناك تمازج وتماسك ما بين الشعب المصري ولم يكن الدين او العقيدة مصدرا للاختلاف او ذات حساسية.. بل كانوا يعيشون معا مختلطين ومتشابهين في العادات والسلوكيات ولكنة اللغة والملبس والذوق طعامهم واحد لا يوجد أكلات مميزة علي نحو فج.. أيضا اختلاطهم أنهم يعيشون في نفس المكان ويعيشون في نفس المسكن بل قد يتشاركون شقة واحدة ويغلق عليهم باب واحد.. من حيث تربية أولادهم لا تجد فرقا بينهم.. كانت الأم المسيحية والمسلمة تأتمن كل منهما الأخري علي ابنها وتوجيهه وحتي ارضاعه ذلك ما نشأنا عليه.. لم نر أن أحداكان يغوي فتاة قبطية أو مسيحية وذلك من اجل ان تتم اسلمتها او بدعوي ضمها للاسلام او مسيحي يسعي الي ذلك لكي يتم ادخالها الي المسيحية.. لم نكن نسمع عن ما يعرف بالتبشر أو التنصير أو الأسلمة كانت الحياة تسير في وئام وانسجام كانت المساجد تحتضن الكنائس كانت مآذن الجوامع وصوت الآذان هو ما شكل خلفية وجدان المصري سواء مسيحيا او مسلما وكانت زيارة الاماكن المقدسة ليست حكرا علي احد بل لا يوجد حزازية في التمتع بها واستلهام روح الورع والخشوع والاحترام منها.. ولم لا فهي دور عبادة وهي بيوت الله.. كذلك المناسبات الدينية لكلا الطرفين التي كانت مصدرا للتزاور والتواد وزيادة صلة المودة والمحبة.. هذه هي مصر وهذه هي تقاليدنا وعاداتنا وقيمنا التي تربينا عليها وهذه هي سمة المصريين التسامح والألفة لذلك فهي لم تعرف الطائفية ولم يكن لها موضع بيننا.. ولكن ما الذي حدث الآن؟ هناك تغيير قد حدث بالفعل وهناك عوامل ومتغيرات اخري غريبة قد دخلت في المشهد.. لذلك رأينا هذه الصور الفجة والمستهجنة والغريبة رأينا من يحاصرون كنيسة بل من يحرقونها وينددون بالديانة المسيحية رأينا من يضايقون الاقباط ورأينا الاشتباكات بين الطرفين واستشراء روح العدوان والتحفز ودماء تسيل هنا وهناك من كلا الطرفين.. ومع كل حدوتة أو قصة تتم عنونتها بالتأكيد تحت مسمي الفتنة الطائفية تجد أن بطلها فتاة مسيحية وفتي مسلم او العكس وان اختفاءها قد كان من اجل تحويلها عن دينها وتزوجها وهنا تقوم الدنيا ولا تقعد ودون تقص للحقائق نظرا لتلك الحساسية المفرطة تقع الفتنة ويتم تبادل الاتفاقات من الطرفين وايضا الاعتداءات.. هذه الحساسية الزائدة والمفرطة تؤدي إلي وقوع أحداث عنف مؤلمة قد تأخذ صورة العقاب الجماعي وهذه أيضا أحد المظاهر الغريبة التي لم نأمنها من قبل أونتعود عليها.. أصبح هناك ميل لطأفنة الأحداث الاجتماعية فمثل هذه الاحداث حتي ولو صدقت فهي لا تعدو سوي احداث اجتماعية في المقام الاول ولكنها في ظل هذه الاجواء يتم سرعة طأفنتها وتعميمها لكي ما تصبح احد مصادر او بؤر القلق والتوتر ومن ثم تزيد من حالة عدم الاستقرار وان مثل هذه الحالة يمكن ان تقود الي ما نخشاه جميعا وهو الحرب الطائفية أو الحرب الأهلية ذات البعد الطائفي.. والتي عادة ما تكون ضروسا وتأتي علي الاخضر واليابس وذلك ما تتمناه القوي الاستعمارية والعديد من القوي الاخري الدولية وعلي رأسها إسرائيل التي كانت ولازالت الدولة مصدر التهديد للأمن القومي المصري.. والمتذكر ان شارون ذات مرة قد صرح بأنه يريد الدفاع عن الاقلية المسيحية في مصر وأنه يرثي للاضطهاد الواقع عليها ومن المؤكد ان هناك العديد من القوي الاخري سواء كانت ذات شكل مؤسسي دولي وأيضا ذات طابع رسمي او اهلي تلتقط هذه الاحداث إذ أنها قد تكون هي بطلها أو مشاركة فيها.. مثل الفيلم المسئ للرسول الكريم وهي عادة ما تنتهز الفرصة والاوضاع او الحالة التي تمر بها البلاد سواء الاقتصادية أو السياسية لتذكية مثل هذه الاحداث.. وقد تكون معظم هذه الاحداث مغرضة وغير حقيقية او تبالغ فيها وهي تعرف كيف تطلقها.. ونظرا لأن المجتمع مهيأ باستقبالها علي ذلك النحو العدواني بالنظر للأزمات التي يعاني منها فهي تنجح وسرعان ما يتسع الحدث وتبدأ الاشتباكات والتراشق بالحجارة ويقع العديد من القتلي ويتم حرق المنازل ودور العبادة وتهلل أبواق الاعلام الاجنبية وتصرخ هنا وهناك بأن أقباط مصر في خطر وأنهم مضطهدون تخطف بناتهم ويتم أسلمتهن وعلي الجانب الأخر يري الطرف الأخر بأن الاقباط قد تغير سلوكهم وأصبحوا يعتدون علي الأغراض وعلي العقيدة الإسلامية وعلي رموزها وعلي رأسها رئيسها ومع كل هذه الشائعات يغيب العقل وتذهب الفكرة ولايبقي سوي الحمية والتعصب والغضب الذي يصبح كالسيل الجارف الذي يجرف في طريقه كل شئ ليتنا نعي حقيقة ما يحدث حولنا أنها الفتنة التي أشد من القتل أنها الفتنة الملعونة وملعون كل من يوقفها وينفخ في نيرانها. دكتوراه في العلوم السياسية [email protected] رابط دائم :