يبدو أن العالم قد دخل بداية ثورة صناعية جديدة, أو أن آخر الثورات الصناعية قد دخلت مرحلة جديدة تماما خاصة أن حجم وعدد المخترعات الحديثة لم يتأثر تقريبا بالأزمة الاقتصادية العالمية, بل إنه يبدو أن هذه الأزمة كانت حافزا لمزيد من الإبداع والتطوير حتي يمكن تطوير الأسواق بأشكال جديدة من المنتجات. ومن الواضح أنه كان صحيحا أن الخروج من الأزمة, كما حدث مع كل الأزمات الرأسمالية السابقة, يحدث من خلال دخول أعداد جديدة من المستهلكين, وبزوغ أنواع جديدة من المنتجات تفتح أبوابا وأسواقا جديدة بينما تتهاوي أو تتراجع منتجات وبضائع وشركات أخري لم يعد لها استخدام, أو لم يعد لوجودها فائدة. وربما يخبط الناس كفا بكف بسبب سقوط شركة جولدمان ساكس للخدمات المالية, باعتبارها واحدة من العمالقة التي لا تسقط, ولكن ذلك هو جوهر الرأسمالية التي لا تمانع من سقوط مؤسسات فاشلة حتي لو بلغ نجاحها في الماضي عنان السماء. ولكن الجديد في الأمر هو أن أحد أبرز التحولات التي شهدها العالم, خلال السنوات القليلة الماضية, دخوله ما يسمي بعصر ما بعد الثورة الصناعية أو الثورة التكنولوجية الحديثة, لدرجة أنه في كثير من الأحيان ينتاب المرء شعور بامتزاج الحقيقة والخيال, وهو ما يتم التعبير عنه بالحقيقة التخيليةvirtualreality. وفي أدبيات الإعلام, بدأ منذ سنوات تسليط الضوء علي التكنولوجيا التفاعليةInteractivetechnology أو التكنولوجيا متعددة الوسائطmultimediatechnology, والتي ظهرت بهدف تقديم خدمات متنوعة لتلبية حاجة الأفراد إلي المعلومة والمعرفة من جانب, والرغبة في التسلية والمتعة من جانب آخر. فقد تحول العالم إلي قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا المتقدمة في مجال وسائل الاتصال. ويمكن لمس تأثير تلك الثورة الجديدة علي الإنسان, يوما بعد آخر, وخاصة في الجيل الحالي من الحواسب المتنقلة, وكان آخرها جهازiPad الذي يحمل نظاما معدلا من جهازiPhone, بشاشة9.7 بوصة, ويبلغ سمكه1.27 سم, ويتسم بالخفة الشديدة, لدرجة أن هناك من يعتبره أخف جهاز في العالم فضلا عن سرعة الأداء والتقنية المتقدمة المعتمدة علي ميزة اللمس, التي تتيح التحكم بالعناصر التي تظهر علي الشاشة كما لو كنت تمسكها بأصابعك, سواء من خلال تحريك الصور أو تدويرها أو تكبيرها أو تصغيرها, لدرجة أن هذا الجهاز صار يتصدر قائمة المبيعات في صناعة الهواتف المحمولة في دول العالم. ومن الجدير بالذكر أن الجهاز بمثابة أداة واحدة للقيام بمهام وأداء وظائف مختلفة, فهو قد يستخدم كجهاز كمبيوتر أو هاتف محمول أو مشغل أسطوانات أو تصفح كتب وأبحاث أو ممارسة ألعاب الفيديو جيم أو تخزين الصور أو سماع الموسيقي أو مشاهدة الفيديو أو متابعة القنوات الفضائية أو إرسال واستقبال الرسائل الإلكترونية أو تسديد فاتورة التليفون أو حجز غرفة في أحد الفنادق في العالم أو إجراء تعاملات مالية أو تحويلات بنكية. ووصلت التطورات في مجال التكنولوجيا أيضا إلي الشركات التليفزيونية والصالات السينمائية, وفي هذا الإطار, أستعير تعبيرا للناقد السينمائي البارز سمير فريد في الندوة التي أقامها منتدي الحوار بمكتبة الإسكندرية منذ أسابيع, حول أثر الثورة التكنولوجية علي السينما وهو أن الثورة التكنولوجية المتاحة حاليا غير قابلة للسيطرة عليها, فهي تخرج عن النطاق الذي كان متصورا لها. والحالة السينمائية التكنولوجية العالمية الجديدة المعبرة عن ذلك هي فيلم أفاتار, والذي يعبر عن حالة جديدة في السينما العالمية عبر تناوله لمستقبل القوة الأمريكية وعلاقتها بالعالم من خلال كوكب تخيلي, نظرا لاحتوائه علي مؤثرات ثلاثية الأبعاد. وهناك توقع بالتحول من التليفزيونات ثنائية الأبعاد إلي نظيرتها الثلاثية, والبعض يعتبرها ثورة مشابهة للمرحلة الانتقالية من صورة شاشة التليفزيون الأبيض والأسود إلي الصورة الملونة. وفي هذه التكنولوجيا المجسدة, سوف يتم تصوير المباريات الرياضية بشكل ثلاثي الأبعاد باستخدام كاميرات ذات عدستين, ومن المخطط أن يبدأ انتشار هذه النوعية من الأجهزة قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري, وفقا لما تؤكده كبري الشركات المتخصصة في هذه النوعية. وهكذا قد نشاهد بث القنوات الفضائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها جنوب إفريقيا خلال يونيو المقبل, بالتقنية الثلاثية الأبعاد3D بالتعاون إنتاجيا مع الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا. ويعد البث الثلاثي الأبعاد ثورة تكنولوجية, بحيث سيتيح هذا النظام المتطور للمشاهد رؤية صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد بجودة فائقةHighDefintion, تضعه علي تماس مباشر واتصال لحظي مع الحدث المنقول, ليشعر وكأنه موجود داخل أرض الملعب, ويتكامل هذا مع الاتجاه الذي بدأ خلال السنوات الماضية, عندما اتجهت الأسر والمقاهي في المناطق الشعبية و الراقية نحو شراء شاشات تليفزيونية كبيرة البلازما أو الLCD, حتي يصل إليهم الشعور الذي ينتاب البعض أثناء الوجود في دور العرض السينمائية. وقد استطاعت الصحافة التليفزيونية بفضل استخدام التكنولوجيا الحديثة أن تتجاوز عقبتين في الصحافة المطبوعة, وهما عنصرا الزمان والمكان. فالصحافة التليفزيونية أصبحت آنية, تنقل الحدث للمشاهد لحظة وقوعه, دون انتظار لعملية إعداد الصحيفة الورقية للكتابة علي ورق الدشت والانتقال إلي قسم الجمع التصويري ثم الانتقال إلي الطباعة وصولا إلي مرحلة التوزيع في النهاية. كما برز تأثير التكنولوجيا الحديثة في مجال الأمن الجنائي في الدول, حيث تمكن التكنولوجيا أجهزة الشرطة من التوصل إلي مرتكبي الجرائم عبر بصمة الأصابع وبصمة الصوت و رائحة الفم, وربما ستظهر أنواع جديدة من البصمات في المستقبل. إن إحدي الظواهر اللافتة للنظر أن هناك محاولات علمية في بعض الدول المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة ودول في أوروبا الغربية وحتي في المكسيك لاستخدام الثورة التكنولوجية في علاج بعض الأمراض الأزلية مثل مساعدة المكفوفين علي الرؤية. ومن أبرز تلك المحاولات مشروع الشبكة الصناعية, الذي طورته الولاياتالمتحدة, من خلال خطط معينة والتقدم الذي تم إحرازه في تكنولوجيا وعلم الوراثة وعلوم المخ وعلم الأحياء, واستخدام الشبكة الصناعية وزرع الأقطاب الكهربائية في العين وتنشيط مناطق الإبصار, لتسمح للمكفوفين بالقراءة والكتابة والتعرف علي وجوه الأشخاص, والاقتراب في النهاية من استعادة الإبصار. المؤكد أنه يصعب تخيل شكل العالم خلال السنوات المقبلة في ظل هذه الثورة التكنولوجية, المتسارعة لحظيا. ولكن ما نعرفه هو أن العالم سوف يتغير كثيرا, وسوف يكون التأثير فيه للقوي التي تمتلك القدرة علي الإبداع التكنولوجي ومعه القدرة علي تحويلها إلي سلع وبضائع. ولعل ذلك لايزال يعطي الميزة التنافسية للولايات المتحدة حيث تظل جامعاتها ومعاملها العلمية الأكثر تقدما في العالم كله. وربما كان لديها ما هو أكثر من الجامعات والمعامل وهو مناخ الحرية وتشجيع التميز والبحث العلمي وإتاحة الفرصة للعباقرة حتي يظهروا. ومن الممكن لدولة مثل الصين أن تنتج كل أنواع العربات, وأجهزة الكمبيوتر, ولكنها حتي الآن لم تنتج جوجل واحدا, أو شخصية مثل ستيفن جوبز المولود سفاحا, والذي لم يحصل علي أكثر من سبعة شهور من التعليم الجامعي في كلية متواضعة القيمة, ولكنه كان في النهاية الرجل الذي اخترع الكمبيوتر الشخصي حتي وصل إلي الآيبادiPad عبر سلسلة طويلة من المخترعات التي قلبت مجال الاتصال والصحافة والسينما والمرئيات كلها رأسا علي عقب. تري هل يكفي التندر أو المشاهدة لأحوال العالم أم أن هناك ما نستطيع المشاركة به في هذه الثورة العلمية, وهنا فإن هناك ما نقوم به بالفعل في عدد من المجالات الزراعية التي تؤدي إلي تحسين أحوال المحاصيل وقدرتها علي مقاومة الأمراض ومضاعفة حصيلتها الإنتاجية في الأراضي القاحلة. ولكن هناك ما نستطيع القيام به وهو بحوث الطاقة الشمسية حيث تسعي الشركات الكبري ليس فقط إلي إنتاج الطاقة من الشمس وتخزينها, وإنما أيضا إلي إعادة تدويرها داخل المنازل مرة أخري. وهل منطقتنا في النهاية أكثر من شمس وصحراء وبحر؟!. وهناك توقع بالتحول من التليفزيونات ثنائية الأبعاد إلي نظيرتها الثلاثية, والبعض يعتبرها ثورة مشابهة للمرحلة الانتقالية من صورة شاشة التليفزيون الأبيض والأسود إلي الصورة الملونة. إن إحدي الظواهر اللافتة للنظر أن هناك محاولات علمية في بعض الدول المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة ودول في أوروبا الغربية وحتي في المكسيك لاستخدام الثورة التكنولوجية في علاج بعض الأمراض الأزلية [email protected]