الأئمة في المساجد هم ورثة الأنبياء, ورثوا عنهم العلم, وعليهم واجب الدعوة وإرشاد الناس لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم,ويلعبون دورا كبيرا في التأثير علي حياة الناس وأثرهم القوي علي المجتمع فكيف يكون الخطيب في المسجد؟!وماذا تريدون منه؟! وكيف يري الامام دوره وواجبه. يقول الشيخ وائل عبد المطلب الخطيب بالأوقاف: الدعاة هم ورثة الأنبياء, ورثوا عنهم العلم,وهم الفرقة التي نفرت من الأمة لتتفقه في دين الله, ثم تقوم بواجب الدعوة وإرشاد الناس لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم, ويلمس الجميع الأثر الكبير الذي يلعبه الدعاة في حياة الناس وأثرهم القوي علي المجتمع, ولذلك سعي أعداء الأمة بكل مايملكون إلي إضعاف دور الدعاة والتقليل من أثرهم, لمنعهم من القيام بواجبهم في نهضة أمتهم. ولكي يتمكن الدعاة من النجاح والإبداع في مهمتهم والتأثير في مجتمعهم بفاعلية يجب الاهتمام بهم, وإعدادهم إعدادا متميزا يتواكب مع التطور المذهل في مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال, والاستفادة منها في الدعوة, ليتمكن الداعية من التأثير في جمهوره بطرق تتلاءم مع تطور العصر. ولابد للداعية بجانب الكفاءة العلمية في العلوم الشرعية( فقه حديث تفسير عقيدة سيرة..الخ) أن تكون لديه الثقافة العامة, والأدوات التي تؤهله لأن يكون علي دراية كاملة بما يموج حوله من أفكار وأحداث, وفهمها واستيعابها, والإلمام بأحوال جمهوره ومستوي ثقافاتهم, وطريقة تفكيرهم وقضاياهم,وما الذي يجب أن يبدأ به معهم, والتفاعل الجيد ومع همومهم ومشكلاتهم,ووضع الوسائل الناجعة لحلها, وأن يكون وثيق الصلة بهم, فيعود مرضاهم, ويسأل عن غائبهم, ويسير بهم نحو أسباب النهضة والتقدم, مع تنمية مهارات الحوار والاتصال, وأدب الخلاف, وقبول الآخر والتعرف علي أنماط النفس البشرية, وكيفية التعامل معها, وغير ذلك من العلوم والمهارات التي تشكل داعية ناجحا متميزا, له بصمة وتأثير في مجتمعه. ولكي نصل إلي هذا النموذج من الدعاة بجانب ماسبق لا بد وأن تكون هناك رؤية واضحة للاهتمام بالدعاة ماديا وأدبيا, حتي لانشغل الداعية بغير رسالته التي فرغ وأهل لها. وممايروي أن أحمد بن طولون رحمه الله كان يتنكر ويطوف بالبلد يسمع قراءة الأئمة, فدعا ثقته وقال: خذ هذه الدنانير واعطها إمام مسجد كذا, فإنه فقير مشغول القلب, ولكن كيف اكتشف أنه محتاج؟ قال عرفت شغل قلبه في كثرة غلطه في القراءة فقد صليت وراءه فإذا به يخطيء كثيرا فعلمت أن قلبه مشغول, وقد شغله فقر فدفع اليه المال. ويقول الشيخ أحمد عبد الكريم الواعظ بالأوقاف: يمكن مناقشة موضوع الأئمة من خلال عدة جوانب, والجانب الأهم هو علاقة الخطيب بربه عز وجل وهذا جانب لاينبغي الفغلة عنه, فعليه أن يستشعر أنه صاحب رسالة, فإذا أنعم الله علي إنسان ووهبه هذا اليقين وهذا الفهم فقد وهبه خيرا كثيرا, وللأسف الكثيرون لايستشعرون عظمة المهمة التي يقومون بها, فإذا استشعر ذلك ارتفعت همته وزاد طموحه, فبدلا من الاهتمام بالأمور الخاصة يهتم بالأمور العامة ويجعل هدفه ليس إصلاح المستمعين فقط وإنما إصلاح البلد كله فيكون معنيا ومهتما بكل حدث في البلد. وعن مظهر الخطيب وسلوكه يقول الشيخ أحمد: لايصح أن يجلس الخطيب علي المقهي مثلا لغير حاجة ملحة, أو يدخن أمام الناس,أو يفعل مايقلل مروءته وهيبته بين الناس, وإذا اضطر للعمل فليكن عملا يليق به كتحفيظ القرآن مثلا, ولكن للأسف الظروف الاقتصادية تضطر بعض الخطباء لأعمال تقلل من قدرهم, وعلي الخطيب أن يبذل جهده للاطلاع, وقد أصبحت المعلومات والكتب متاحة ومتوافرة علي اسطوانات رخيصة الثمن, ولا يعفيه من الاطلاع شيء, ولكن للأسف فأثناء توسع الوزارة سابقا في تعيين الخطباء قامت بتعيين كثيرين لايرقون لمستوي المهمة التي يقومون بها, ثم أغفلت تدريبهم ومتابعتهم, وكانت معظم الدورات التدريبية سابقا صورية, وهدفها الترقي ولا شيء غيره. أما عن الانتماء الحزبي, فيؤكد الشيخ أحمد أن الخطيب إنسان, وطبيعي أن يكون له ميوله وإنتماءاته,. ولكن عليه أن يوازن بين ذلك وبين دوره في قيادة الناس, فالخطيب له منبره كالصحفي والإعلامي, مطلوب منه الحياد رغم انتمائه, لذا لا ينبغي له أن يذكر اسم حزب أو شخص علي المنبر, وإنما يوضح الأمور بكل جوانبها, ففي عملية الاستفتاء علي الدستور, كنا نوجه الناس بالذهاب للإدلاء برأيهم, لأنه واجب وطني وشرعي, أما بماذا يصوتون, مع أو ضد, فهذه شهادة والصوت أمانة, نوضح لهم أنهم سيسألون عنها أمام الله, فلا يبيعون صوتهم برشوة, وإلا وقعوا في الإثم. ويضيف الشيخ أحمد أنه يوجد برنامج في وزارة الأوقاف غير مفعل لتبديل الخطباء ونقلهم بين المساجد, وتفعيل هذا البرنامج كفيل بضبط أحوال الدعاة, وإظهارهم في أبهي صورة, ولكن مشكلتنا في عدم تطبيق اللوائح والقوانين, ويختتم كلامه مؤكدا أن الخطيب بشر يصيب ويخطيء, وإن اخطأ فليعتذر, وعلي الناس أن ينبهوه للخطأ برفق, ويقبلوا منه عذره, ويحترموه ويقدروه, وأن يدعموه بطريقة محترمة, وذلك في مصلحة الخطيب والمصلين. أما الشيخ عبدالله القاضي, الإمام والخطيب بالجمعية الشرعية, فيؤكد أنه من المتفق عليه وجود نقص في الدعاة الأكفاء, ولاينبغي بداية الخلط بين الإمام في المسجد, والذي يكفيه إتقان التجويد والعلم بالأحكام العامة لإقامة الصلوات, فهذا إيجاده قريب وبناؤه هين, والدلالة عن ذلك واضحة من الأعداد التي تتقدم لمسابقات أئمة الأوقاف, فغالبيتهم مؤهلون لشغل وظيفة الإمام, فالواقع شاهد بأن النسبة الأقل بل النادرة من المساجد من يقوم أئمتها بالخاتمة الكاملة علي مدار العام, لكن العزيز النادر هو الداعية الكفء, وهو المتسلح بالعلم الشرعي وغيره من الوسائل المعينة لقيامه بدوره خليفة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم في الأخذ بأيدي الناس وإقامتهم علي باب الله تعالي, فالداعية يقوم بأدوار المعلم والمربي والواعظ والهادي إلي صراط الله, وظيفته صعبة جدا فمطلوب منه إقامة الموازنة الدقيقة بين إشباع الحاجات الروحية والسمو بها, وبين إزالة ضرر المشقات عن الإبدان, من غير تعد علي حدود الله في ذلك كله, فصورته عندي رجل علي رأس جملة من الناس مسئوليته المرور بهم في لجة الحياة الدنيا, وهو يحيطهم بعنايته, فلا إفراط عليهم ولا تفريط بهم. وعلي الداعية أن يتخذ من النبي صلي الله عليه وسلم حسن الهدي ونبراس الدجي والحق أن الداعية لكي ينجح في هذه المهمة العظيمة محتاج للعون, وبعيدا عن توفير الحياة الكريمة له وإن كان مطلوبا لكن لا ينبغي إغفاله نصيب النبي صلي الله عليه وسلم من الدنيا فسأطرح أمرا واحدا من كثير مطلوب ألا وهو تعظيم هيبته عند الناس حتي إذا قال سمع له, إلا يغار غير المسلمين من معاملة غيرهم أئمتهم ودعاتهم؟..! ولا ينبغي للداعية أن يكون بوقا لغيره أبدا, وذلك إن حدث سببه من وجهة نظري غفلة الداعية عن دوره الأعظم فخلافاتنا الحياتية التي نعيشها اليوم مثلا أعلم أنها ستنتهي, فليكن هم الداعية المساعدة في تعجيل الخلاص منها, وليس الأنخراط فيها, أيها الداعية دورك أعظم وأجل فليكن شاغلك اتخاذ الوسائل العلمية والعملية المعينة عليه, وإعمال هذه الوسائل في نفسك أولا ثم في الناس. أما الداعية الدكتور مازن السرساوي أستاذ الحديث بجامعة الأزهر فقد أكد أن قضية الدعوة والدعاة هي إحدي القضايا الكبري علي الساحة, ونحن ندرك أن كثيرا من إخواننا الدعاة مع احترامنا لهم وتقديرنا لأشخاصهم ليسوا علي المستوي المأمول, والحقيقة أنهم لم يقصروا بقدر ما قصر المسئولون معهم, فوزارة الأوقاف فيما قبل الثورة لم تكن تهتم لا بالدعوة ولا بالدعاة, لا عند اختيارهم ولم تكن تهتم بمتابعتهم, وكان معظمهم لا يصلي الصلوات بمسجده, ويكتفي بالذهاب يوم الجمعة لأداء الخطبة, وهذا أنتج أئمة وخطباء غير مواكبين للأحداث ولا مطلعين عليها فكيف يوجهون الناس ويقودونهم ولا شك أن كثيرا منهم سيخرج عن السياق خرجات قد تكون قاتلة, ونحن نحتاج لغناية تامة بالوعاظ والخطباء في المساجد, والمسألة صعبة فعددهم كبير جدا, ومسئوليتهم كبيرة وعليهم دور مهم للخروج بالبلد من أزمته الراهنة, ودخول الخطباء في قضايا لا يجيدونها ومحاولة فرض رؤيتهم, أدت لظهور بعض الحركات المرفوضة, كحركة نزلوهم والحمدلله أنها لم تلق استجابة من الشعب المصري الذي لايزال يعرف للائمة قدرهم. ويضيف الدكتور مازن: وعلي الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف دور كبير, نسأل الله أن يفتح عليه ويأخذ بيده في إصلاح هذا الجانب المهم, فهؤلاء هم ملح البلد, ومن يصلح الملح إذا الملح فسد, فتجب إعادة تأهل عشرات الألوف من الأئمة, وإمدادهم بالمراجع والكتب اللازمة, وتوفير حياة كريمة لهم, حتي يتفرغوا لطلب العلم والمتابعة والاطلاع علي الأحداث وعرضها علي الشرع وتأصيلها, ليفتي بعلم ويوجه إلي الطريق الصواب, فينبغي أن يكون هناك مشروع قومي, تساهم فيه الأموال الأهلية من أهل الخير والفضل وهم كثير جدا, بالتعاون مع الوزارة وعلي رأسها رجل نحسبه من الصالحين, ومن أهل الخبرة بالدعوة الحريصين عليها وعلي الأوقاف وعلي مصر كلها, فيتعاون الجميع لإعادة تأهيل الدعاة وتوفير مكتبات علمية لهم, وربطهم بالعلماء الثقات في كل المجالات, وربطهم بالأحداث بتقديم الأخبار الصحيحة وتحليلها, وتوافر ما يصعب علي الدولة توفيره ويمثل عبئا عليها, وكنا قد أقترحنا إنشاء مراكز لخدمة الدعاة, علي غرار مراكز البحوث, يضم باحثين من أهل الاختصاص في كثير من المجالات, يساعد الخطيب علي اختيار موضوع الخطبة ومراجعتها وتدقيق الأفكار التي يريد إيصالها للناس, حتي لاتنزل عن الحد الأدني للمعقولية واللياقة, ويقدم خطابا راقيا يلتف حوله الناس, وتنشأ هذه المراكز في كل محافظة أو مركز أو حي, فيرتفع الإشكال شيئا فشيئا إن شاء الله.