تزايد الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات عالميا بشكل واضح وملحوظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين حيث أصبحت تمثل إحدي الدلائل المهمة علي تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها آفاق المستقبل إلي جانب اعتبارها مؤشرا للانجازات الحضارية والنهضوية والثقافية وعنوانا للتقدم وأحد مؤشراته في التنمية ورسم السياسات. يقول خالد وليد محمود في بحثه حول دور مراكز الابحاث في الوطن العربي.. الواقع الراهن وشروط الانتقال إلي فاعلية أكبر. ان عملية دراسة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع والدولة وتحليلها أصبحت من أهم الأدوار التي تضطلع بها المراكز البحثية عموما, إذ تهدف لتحليل المشكلات وبلورة المقترحات العلمية لحلها ويشير المؤلف إلي أن المراكز البحثية أصبح لها دور رائد ومتقدم في قيادة السياسات العالمية كما أصبحت أداة رئيسية لانتاج العديد من المشاريع الاستراتيجية الفاعلة, وهي الجهات الأساسية التي تستطيع رسم خطط المشاركة في تلك المشاريع والإسهام فيها إسهاما فاعلا كما أصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد السياسي والتنموي في العديد من الدول المتقدمة. ويقول الباحث لا نبالغ إذا قلنا إن لمراكز الأبحاث دورا أساسيا في نهوض الأمم وتقدم الشعوب نحو تحقيق أهدافها, وقد ارتقت تلك المراكز الحديثة إلي حد أصبحت فيه أحد الفاعلين الأساسيين في رسم التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وأحد المؤثرين فيها. عربيا, تنامي الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات وأصبحت محل حديث عنها بشكل واضح منذ بداية تسعينيات القرن الماضي واتسعت دائرة نشاطاتها من حيث الكم ومن حيث نوعية المساهمات التي تقدمها. وتولي القطاع الخاص إنشاء مراكز دراسات ومعلومات وأبحاث متنوعة ومتخصصة كمبادرات نوعية في عدد من الدول حتي أصبحت جزءا من المكونات الثقافية لها, وتختلف أسباب هذا التطور ودوافعه من بلد لآخر ومن مركز لآخر, وصاحب هذه الظاهرة تزايد المؤتمرات العلمية والأكاديمية والمنشورات العلمية وهي تبحث في مختلف شئون الحياة المحلية والاقليمية والدولية في ظل التغيرات الرئيسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام. وفي الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال أطلق علي هذه المراكز اسم'ThinkTanks' وأصبحت عاملا مهما في تحديد أولويات القضايا الاستراتيجية التي تواجه الولاياتالمتحدة وأصبح لها تأثير مباشر وغير مباشر علي مراكز صنع القرار هناك سواء علي المستوي الداخل أو الخارجي وهو ما ظهر بشكل جلي علي مستوي السياسة الخارجية الأمريكية في العالم ويوضح المؤلف أن الدور الذي اضطلعت به المراكز البحثية في الوطن العربي مختلف عما هو عليه الأمر في الغرب وذلك بسبب المعوقات والمصاعب والتحديات التي تواجهها ولأنها لم تتبوأ مكانها الحقيقي ولم تمارس دورها الحيوي في المشاركة في صنع القرار ليس بسبب عجزها عن أداء هذا الدور ولكن بسبب المعوقات الكثيرة التي تحيط بها وعدم تكليفها بممارسة هذه المهام نظرا لطبيعة الحياة السياسية العربية وطبيعة أنظمتها وبعدها عن العمل المؤسسي المعمول به في الولاياتالمتحدة والغرب. ويشدد المؤلف علي أن مراكز الأبحاث والدراسات تكتسب أهميتها وضرورة وجودها من الحاجة الملحة لها, ومن مقتضيات الضرورات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأكاديمية والاجتماعية والتنموية وذلك باعتبارها الطريقة المثلي لإيصال المعرفة المتخصصة من خلال ما تقدمه من إصدارات علمية وندوات متخصصة من شأنها أن تضاعف مستوي الوعي لدي صانع القرار والمؤسسات والأفراد, وتساعدهم علي الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العلمي النظري. ويؤكد الباحث أن لمراكز الأبحاث دورا رياديا في توجيه عالم اليوم بحكم أنها أداة مهمة لانتاج العديد من المشاريع الحيوية التي تسهم في تنمية الفرد والدولة ومن ثم فهي في قلب المشهد العربي الراهن وفي مقدمة ضروراته مما يفرض علي الدول العربية السعي لامتلاك مفاتيح المعرفة والتقدم من خلال البحث العلمي الجاد الذي يعد أداة من أدوات مراكز الابحاث والدراسات.