نحن نعيش في عالم من الأزمات, عالم الكيانات الكبري, والصراعات الكبري, والمصالح المتعارضة, عالم لا مكان فيه لدولة قزمية أو متأقزمة ولا احترام فيه لأي انقسام أو تشرذم, فنحن نعيش في عالم ذي اتساع حضاري, يمتد ويتطور وتترسخ دعائمه وتزداد مصالحه يوما بعد يوم, وتتعارض, وعلي قدر اتساعها وازديادها وتعارضها تكون أزماته ذات النوع والتكاثف بشكل متزايد. إن الغالبية العظمي من متخذي القرار الاداري في بلدنا يعتمدون علي أسلوب الادارة يوما بعد يوم, فهم مستغرقون ومنهمكون في روتين الحياة اليومية وهمومهم الذاتية وكيفية تدبير احتياجاتهم الشخصية ومتطلباتهم الحياتية, رافضين مجرد الاصغاء إلي استخدام الادارة العلمية في كياناتهم الادارية التي يشرفون عليها, ورفضهم كل جديد في علوم الادارة, وما قد يحدث استثناء من بعضهم لا يكون أكثر من ومضات شهاب تضيء فجأة وتحترق ولا تدوم طويلا, من هنا تأتي أزماتنا لتكون أشد عمقا وأقوي تدميرا وأكثر غموضا وأعلي إزعاجا نتيجة لتفاعل قوي رفض العلم مع انعدام المعرفة لدي متخذي القرار الاداري وسيطرة العشوائية والارتجالية وانفعالات اللحظة الجزئية مكانا وزمانا علي متخذي القرار, وإصدارهم قرارات غير صائبة بل هي مدعاة للسخرية حتي الجنون مما قد يؤدي إلي تدمير الكيان الاداري الذي يشرف عليه أو الحاق أقصي الضرر به. فعلي الرغم من أن حدوث الأزمات قديم قدم التاريخ فإن وعي متخذي القرار الاداري بأهمية إدارة الأزمات لم يتبلور بعد حيث أن الأزمات أصبحت جزءا منا كما اننا جزء منها, إن اعترافنا بضرورة الأزمة يتطلب أن نكون أكثر حضورا في وعينا وفي فكرنا وفي إدارتنا.. وحتي نؤثر في مجرياتها ونتجنب مخاطرها بل والاستجابة من ايجابياتها فالأزمات تمثل معالم طريق عبرت خلاله الانسانية وشيدت حضارتها, فلم تكن الأزمات كلها شرا مستطيرا بل كانت بواعث لنهضة علمية وفكرية أثرت المعارف الانسانية وساعدت علي تطويرها ويسرت لها سبلا لم تكن متوافرة لديها قبل حدوث الأزمة.. ومن هنا فإن إدارة الأزمات هي إدارة مادية وعينية وأخلاقية وروحية معا, وهي إدارة تفاعل دائم ومستمر تتحصل بجودة الحياة وإرادة التقدم التنموي سواء للمنشأة أو للدولة ووفقا للمستوي الذي تعمل فيه هذه الادارة. إن الأزمات قد تكون شديدة لأن بواعثها شديدة, وقد تكون شديدة لأن روافد الأزمة المصاحبة لها شديدة, وقد تكون شديدة بسبب التطورات التي عززت وقعها وأضافت إليها توترات وقلاقل جامحة عززت قوة وشدة الأزمة.. إن هذا يدفع إلي القول بأن خصوصية الأزمة ما هي الا جانب واحد من جوانبها في حين أن شمولية الأزمة تصبح الوجه الآخر لها. ولعل الحديث عن استخدام المنهج العلمي كأسلوب للتعامل مع الأزمات أصبح أكثر من ضروري وأكثر من حتمي, ليس فقط لما يحققه من نتائج ايجابية في التعامل مع الأزمات, ولكن أيضا لان البديل غير العلمي نتائجه قد تكون مخيفة ومدمرة بشكل كبير. وبمعني آخر, فإن الأزمات التي يتعرض لها المجتمع, مثلها مثل الازمات الصحية التي قد يتعرض لها الانسان, تكون حادة, ومفزعة وشديدة الألم, وتجعل من مدير الازمة( كالطبيب) الذي يعالج المريض الذي أصيب بأزمة صحية أزمة قلبية مثلا ويهدده خطر الموت وفقدان الحياة, ومن هنا كان عليه تحت ضغط الازمة أن يتخذ قرارا سريعا وصائبا وعمليا في وقت محدود للغاية, للحفاظ علي حياة المريض ومنع تدهور حالته, وهو ذات الهدف الذي يعمل علي تحقيقه( مدير الأزمات), وهو تأمين سلامة الكيان المجتمعي الذي أصابته الأزمة, ومنع تدهور الأحوال فيه, وسواء كان هذا الكيان دولة أو شركة أو أسرة. ويستخدم إعلام الأزمة بشكل مكثف لايجاد المناخ والوعي والقناعة اللازمة لجعل القوي الشعبية متكاتفة ضد الأزمة وصانعيها, وفي هذه الحالة يصبح الاعلام انعكاسا لمجتمع الازمة: بمعني أن يكون كما يرغب هؤلاء الأفراد معبرا عن طموحاتهم وأحلامهم وآمالهم, ويحقق بذلك عناصر المصداقية والاهتمامية والانجذاب إليه بشكل كامل. ومن هنا يستطيع الاعلام الأزموي أن يحول كل فرد من أفراد المجتمع من مجرد متلق للرسالة الاعلامية, إلي متفاعل معها ومتجاوب مع عناصرها, ومحققا لأهدافها من خلال القيام بسلوك معين, فضلا عن تحقيق وحدة في الفكر العام للمجتمع, وتناسق فكري بين قياداته وأفراده, وصياغة اتجاه عام متفق عليه. إن وجود جهاز لاستشعار الأزمات, يمكن الكيان الاداري من التعامل مع الأزمات المستقبلية والحاضرة بشكل هاديء وعاقل ومسئول, تحليلا, وتدقيقا وتمحيصا, ويقي متخذ القرار شرور الاستسلام والانصياع لما يمليه الضغط الازموي, ويضع أمام متخذ القرار بدائل عديدة لقراراته, وسيناريوهات بديلة للتعامل مع المواقف الازموية, بدلا من الخضوع والانصياع للخيار الوحيد الذي تمليه الازمة بما تشتمل عليه من مخاطر وأعباء وتكاليف. إن الأزمات ليست في حقيقتها أو في إجمالها العام سيئة أو بالغة السوء والشر كما قد يصفها البعض, بل كثيرا ما تكون الأزمات باعثا علي البحث العلمي, وهذا مرهون بالكامل ببعث روح الأمة وإثارة التحدي لديها وحفز الارادة علي العمل, ومن هنا تصبح الأزمات باعثا للتقدم والاكتشاف والبحث نحو التقدم والارتقاء.. فهل راعينا كل ذلك خلال هذه الفترة والتي واكبت زخم25 يناير أكثر من حكومة.. هذه لتسيير الأعمال وتلك للإنقاذ ولا نعلم إلي أي متاهة سوف تقودنا الحكومة القادمة, أغلب الظن أن علم إدارة الأزمات في مصر أصبح فريضة غائبة, وأصبح لسان الحال يشير إلي ما عبر عنه الشاعر نزار قباني عندما قال: (خلاصة القصة توجز في عبارة.. لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية)