لما وعد الله تعالي بقبول التوبة قائلا: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده[ الشوري:25] وكذلك: لما فتح باب الرجاء في عفوه ورحمته قائلا:يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[ الزمر:53] كانت التوبة بابا مفتوحا.. نعم: ( أ) مفتوحا لغفران كل الذنوب: أولا: بالنسبة للشرك بالله تعالي, قال بعض أهل العلم: كل من اجترم جرما, فإلي الله أمره في عذابه أو العفو عنه, إلا أن يكون جرمه شركا بالله وكفرا, فإنه حينئذ ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات علي شركه, حيث يقول سبحانه وتعالي: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا[ النساء:116] وأما من تاب عن شركه وآمن قبل موته: فالله سبحانه يقبل منه توبته, ويغفر له شركه( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي[ طه:82). ثانيا: مفتوحا لغفران ما سواه من الذنوب: فباب التوبة كذلك لغفرانها صغرت أو كبرت, قلت أو كثرت مفتوح, فعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا, ثم خرج يسأل, فأتي راهبا فسأله, فقال له: هل من توبة ؟ قال: لا.. فقتله, فجعل يسأل, فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلي أرضك فإنها أرض سوء فانطلق فأدركه الموت, فناء بصدره نحوها, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فأوحي الله إلي هذه أن تقربي وأوحي إلي هذه أن تباعدي, وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلي هذه أقرب بشبر, فغفر له, وعن أبي هريرة: عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: لو أخطأتم حتي تبلغ خطاياكم السماء, ثم تبتم, لتاب عليكم. وفي الأثر: يقول الله عز وجل ويح ابن آدم.. يذنب الذنب.. ثم يستغفرني فأغفر له, ثم يذنب الذنب فيستغفرني فأغفر له. لا هو يترك الذنب من مخافتي, ولا ييأس من مغفرتي..!! أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له. (ب) مفتوحا لجميع الناس, حتي تطلع الشمس من مغربها. ولأنه كما يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم فيما روي عن أنس: كل بني آدم خطاء, كان من رحمة الله تعالي التي وسعت كل شيء أن يكون باب التوبة مفتوحا لكل بني آدم, كافرهم ومؤمنهم عاصيهم ومطيعهم, يعبرون منه تخلصا من أدران ضعفهم وأخطاء بشريتهم..!! ليعودوا بعد ولوجه, والتطهر في محرابه وقد نفضوا أوزارهم التي كانوا يحملونها علي ظهورهم, واكتسوا بحلل الثقة بأنفسهم, وأقبلوا.. علي عباداتهم بروح طاهرة قوية وثابة.. وعلي ذويهم ومجتمعاتهم بروح المحبة والود والصفاء والتواصل البناء. يقول تعالي وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي[ طه:82]. وفي الحديث: عن أبي موسي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل: ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها. (ج) مفتوحا للإنسان طول حياته ما لم يغرغر. وهذا شيء طبيعي ومنطقي حتي تكون التوبة اختيارية لا اضطرارية, توبة قوي علي نفسه,لا ضعيف أمامه نهايته, توبة تائب, لا فعل يائس. ولذا.. يقول سبحانه وتعالي: إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما[ النساء:17 و18] نعم.. هو باب لا يغلق أمامه إلا إذا حضرته الوفاة, حينئذ يغلق فلا يستطيع العبد العبور منه, واستغفار ربه.. وإلا.. فأين كان ؟ ولم لم يتب ؟ حيث كانت الفرص سانحة له قبل ذلك والظروف مهيأة, وكانت قدرته علي فعل المعصية كقدرته علي التوبة, واختياره لهذه كاختياره لتلك..!! لكنه غفل وتغافل حينذاك, وأعرض عن التوبة, وامتنع عن التصحيح لأخطائه, والتصالح مع الله تعالي. أما الآن..!! وقد تبدل الوقت, وأصبح الحال غير الحال, فالله تعالي يقول:(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما)[ النساء:18]