السعادة لا تتعلق بالأشياء الخارجية.. إنما بنظرتنا إلي هذه الأشياء.. اذا سعيت إليها راوغتك.. وإذا لم تسع إليها باغتتك.. ثمة سعادة شخصية تفاجيء أولئك الذين يكتبون ويرسمون ويؤلفون موسيقات لا يعرفون أولئك الذين استقبلوا ما أبدعوه.. قد يستحسنه البعض ويرفضه آخرون.. حالة من الرضا الداخلي تنتاب المبدعين.. تدفئهم كالجمر الذي لا يحرق.. تطهرهم وتبهجهم.. وتطمئن أرواحهم القلقة.. هذه اللوحة البديعة التي ترسمها الشمس بريشة فنان يستخدم ألوان قزح.. لا تغيب أبدا عن السماء.. لكنها قد تغيب عن أعيننا بعض الوقت.. لكنها تحيا في أعين آخرين مقبلين علي الحياة.. يكتبونها برطوبة قلب صغير.. يخفق بالحب.. يتخذون من الشمس والأقمار دارا.. ثمة كلمات رقراقة مختزنة في داخلنا.. تنمو علي مهل كأشجار الليمون.. في انتظار من يحمل قرابين العشق والهوي.. كلمات أقدس من كل بساتين الدنيا مجتمعة كل يوم يقصد البحر يحاكيه.. يبحر معه بعين دامعة تسترجع ذكريات الماضي الحنون.. حيث الفراشات الملونة الجميلة.. والنسمات الحلوة.. لحقت بالقطار الذي لا يعترف بالعواطف.. ولم تعبأ بجرح الشاعر.. لملمت من حدائقه الأزهار.. والنهار.. وبدلت أرقام الهاتف وغابت.. رائحة ضفائرها موغلة بذاكرته.. مزروعة فوق وسادته.. غالب طعم المرارة في فمه.. طوي صفحة الوجع.. وأوصد قلبه.. بعد أن كانت روحه موشكة علي الغروب.. في جعبته الكثير يريد أن يرويه والذي صاغه شعرا.. احتفلت المحافل الأدبية بديوانه الأول في طبعته الثانية..لم يتاجر بآلامه.. الفرح بنجاح ديوانه.. زحزح الهموم والقلق بداخله.. الشمس تغفو هادئة.. بعد عناء يوم كامل.. لم تعبأ بالمارة القلائل في ذلك الشارع.. أجمل ما في الكتابة.. إنها تبدد الفوضي وتجمل القبح.. تأتينا دون سطوة.. أو كآبة.. تخلد العابر والغائب والبعيد.. تحيل الموت إلي قدسية ضرورية لإعمار الحياة وتجعل الموت منظرا ويمر.. أربعينية.. تبدو وكأنها في بدايتها.. طويلة القامة.. ذات بشرة بيضاء.. شعرها يميل إلي لون سنابل القمح.. تتقدم منه.. تطلب توقيعه علي ديوانه.. تسأله في دهشة: كيف استطاع خلق نسائم في ديوانه.. تربت في حنو بالغ علي حكايات شتائية الطقوس..؟! كتب إهداء رقيقا: إلي الهبة السماوية في هذا الصباح الجديد.. استطاعت أن تفك شفرات الديوان في لحظة خاطفة.. امتد بينهما الحوار.. كان اليوم الأخير في حفل توقيعه بمعرض الكتاب.. يحمل الإنسان بداخله تناقضات صارخة تبلغ أحيانا حد الجمع بين الاضداد.. كالحب والكراهية.. الصدق والكذب.. النبالة والخسة.. الغموض والوضوح.. الاحجام والاقدام.. يلجأ الأدب أحيانا إلي تصوير فظاعة القبح.. حتي يتحقق الكمال.. امتد الحوار وتشعب كشجر اللبلاب.. فوق سقيفة من الراحة والهدوء.. فجرت صمته وضغطت جرحه.. لمحت في عينيه دموعا تكابر.. ترفض الهطول.. كم كانت ضرورية لترطيب قسوة اللحظة.. انفرجت شفتاها عن ابتسامة رقيقة وهي تخبره: أن آدم أنس في نفسه وحشة.. فخلق الله له حواء.. تبادلا أرقام الهاتف.. تخيلها متدفقة ومتهافتة.. لينة وطيعة.. حانية وقاسية.. صعبة وعنيدة.. إنها في جملة الأمر.. المرأة المشتهاة.. قفز قلبه بين ضلوعه.. كجرو صغير.. يبحث عن الدفء.. بحاجة لمسكن ما.. لكلام يدفئه في صقيع وحدته.. نجحت في تحريك رادارته تجاهها.. مع آخر رشفة من أعماق فنجان قهوة.. استكانت كآبته.. الشجرة العجوز المتمايلة بلا أوراق والتي يراها كل يوم في طريق عودته للمنزل.. كيف نمت وزاد اخضرار أوراقها.. ونضجت ثمارها وتجملت لقاطفيها..؟! إنه الحب الذي يفتح أفاق الخصوبة.. ويروي ظمأ القلب.. اشتري كارت شحن لهاتفه.. لأنه يدرك أن الحديث بينهما سيطول ويتشعب ويتمدد.. كشجر اللبلاب.. طلب هاتفها.. باغته صوت ثلجي جنائزي.. يردد في آلية بليدة: الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة. محمد محمود غدية- المحلة الكبري [email protected] رابط دائم :