ألقي البوصة في النهر بعد أن تأكد من وجود الطعم العالق في الشص.. وجلس يتأمل النهر في هدوء تام وسكون.. المخلاة جواره فارغة في انتظار الصيد الوفير من أسماك البلطي والبوري ومايجود به النهر. تحسبه للوهلة الأولي صيادا محترفا.. دون أن تدرك أنها المرة الأولي له.. أشار عليه بها أحد الأصدقاء.. بعد أن فشل في زحزحة الهم.. وهي محاولة لتطهير الروح من العفن العالق بها الصنارة لاتحتال عليك بالكذب ولاتعاملك بالمكر., لماذا لايتشبه الإنسان بالطبيعة التي ماتلبث أن تزهو وتزهر.. بعد عواصف الشتاء..؟ لماذا وحده الإنسان الذي يذبل ويسقط..!!أشرقت الشمس من وراء السحب.. وابتسمت في دعة ورقة وهدوء للصياد الذي إختاره ذلك النهر.. ليسمع حكاياته..ويمنحه الحب الذي إفتقده.. مطر الحلم يبلله.. شاخصا إلي البعيد.. يغوص في النهر سابحا.. يفتش عن اللآلئ والشموس والأقمار في عين حبيبته.. فلايلمس غير جفاف الأشياء حوله.. يحكي للنهر حكاية شتائية الطقوس لايعتذر عنها فالألم بداخله له ضجيح يطحن عظام الصمت.. يحكي الصياد للنهر حكاية رجل وامرأة وجهها في لون الصباح.. إمرأة بوسع العالم.. يرتاح علي أعتاب أهدابها تسير في بهو الروح.. دونها يصبح النوم عصيا.. والزمن بطيئا مقززا.. تعيش العصافير علي مطر ابتسامتها في عينيها قدرة مدهشة غير عادية.. علي التأثير في محدثها ومحاصرته.. تهيئة للتسليم بما تريد.. وما أكثر ما تريد تريد الحب دون انتقاص.. أسئلتها مراوغة.. في عينيها قمر مخبوء.. لو أطلقته ينير الدنيا كلها. من صدره خرجت آه مجروحة.. ارتعد لها النهر.. إنها امرأة استثناء.. آخر سلالات الأنوثة الطازجة المعتقة. بينما كانا يعبران الطريق تحت الشمس التي غمرتهما بالدفء ومست شغاف قلبهما.. إنكسر الحلم.. أصبح بعيد المنال. زهرة هجرها المطر وفارقها ندي الصبح.. أصبح كل منهما مدينة غابرة أمسك به الليل.. ينساب الضوء بين فتحات عينيه شحيحا كعطايا النهر ومخلاته الفارغة. لكن للنهر عطايا أخري.. فقد إمتدت كفه الحانية تجفف دمع الصياد التي إنهمرت كالسيل.. بعد أن ذوب حكاياته الشتائية الطقوس وأحزانه بزيد البحر. تستفيق روحه من غشاوة الرؤي.. وتسري نسمة خفيفة تتسلل إلي رئتيه.. لأول مرة يري الليل رائقا وشفافا وصافيا.. يشرب أشعة القمر ويرتوي بالضوء.. طارحا علي كتفيه اللتين تخففتا كثيرا من أحمالهما.. الصنارة ومخلاته الفارغة وهو يلقي نظرة أخيرة علي النهر الذي ابتسم له مودعا.. بعد أن روي شجر روحه.. تتبعه آلاف النجمات.. وأغاريد المساء الحالمة. محمد محمود غدية المحلة الكبري