مشكلة هذه الأمة في هذا الزمن الأغبر أنها تعيش علي الكذب والتربص ببعضها البعض, ومصيبتها الأعظم أنها تزعم الأسي كذبا, والعجيب أنها تنتشي حين ينتصر لها الآخرون زورا وبهتانا. فنحن أمة تري في الحق والحقيقة عدوا لدودا لها.. ومع ذلك تعيب علي الغرب واليهود والعملاء بأنهم يكذبون ويزورون الحقائق ويخفون خسائرهم ويضللون البشرية والرأي العام.. أمة نبذت الكذب في عز الجاهلية لكنها لا تريد أن تفهم أن منابرها وفضائياتها صارت, أكذب من الكذبة. و بصراحة فأن الشراكة المعروضة علينا من أمريكا وأوروبا تقع إما في نطاق الاحتياجات الأمريكية الأمنية وإما في نطاق التشريع لاستمرار الأنظمة السياسية, وحين الحديث عن حقوق الإنسان فلا بد من التذكير أن التوجهات الأمريكية بإغلاق سجن جوانتانامو لا تعني نهاية لأفظع الانتهاكات الأمريكية في التاريخ الإنساني الحديث, فما زال أوباما والسلطات الأمريكية إلي اليوم يحتفظان بصلاحيات احتجاز أشخاص لمدة غير محدودة دون محاكمة. ولا شك أن الحديث يطول في هذا الجانب; لكن لكل مقام مقال. والسؤال الواجب طرحه هنا هو: ما موقف دعاة الحرية والديمقراطية في مصر من هذا ؟ وما موقف هؤلاء لاسيما أولئك الذين قضوا أعمارهم يستقوون بالولايات المتحدة منتظرين منها تدخلا مباشرا أو دعما يجلب لهم الديمقراطية والنمط الأمريكي فإذا بها تفلت من اليد الأمريكية وترتقي إلي مستوي معتقدات عالمية يمكنهم تطبيقها وإقرارها كجزء من هويتهم الوطنية! فهل سينجحون في فرضها وحدهم؟ أم سيضطرون إلي لبس جلابيبهم من جديد؟ ربما! أو كيف سيتصرفون إزاء الأطروحات الأمريكيةالجديدة لتقسيم المنطقة ؟ وكيف ستكون استراتيجياتهم المقبلة؟ وفي سياق الأزمة الراهنة تستحضرنا قصة وليم شكسبير في تاجر البندقية حين فضح العقلية الجشعة لليهود. وجوهر القصة أن تاجرا من مدينة البندقية وقع في أزمة تمويل لتجارته عبر البحار فاستنجد بتاجر يهودي ليقرضه مبلغا من المال. أما اليهودي فاشترط في عقد الإقراض بندا يضمن فيه حقه في الدين في حالة فشل التاجر سداد ما عليه في الوقت المحدد. أما البند فيقضي بحق اليهودي أن ينتزع قلب التاجر إذا عجز عن السداد لما يحين أوانه. ووافق التاجر الذي تأخرت تجارته عن موعدها بيوم أو يومين, فما كان من اليهودي إلا أن تقدم للمحكمة مطالبا بالدين. وكاد القاضي يحكم لصالح اليهودي بموجب العقد بين الطرفين, ولم تنفع كل المداخلات لثني اليهودي عن إشباع رغبته العدوانية, وفي وسط المعمعة تدخل محامية, متنكرا, ليوضح للقاضي أنه لا يمانع في تطبيق الاتفاق الوارد في العقد بشرط انتزاع قلب التاجر فقط دون إسالة قطرة دم واحدة! وبهذه الطريقة فقط نجا التاجر. لا شك أننا إزاء كارثة, والفائز من يحسن القراءة, أما أولئك الذين يصرون علي دفن رؤوسهم في الرمال مراهنين علي مرور العاصفة فقد لا يستطيعون رفعها ثانية لأن كمية الرمال قد تكون كافية لدفنهم إلي الأبد. ع. ف [email protected]