ونحن جلوس في نادي الجزيرة الرياضي همس ابننا حسين الحبروك الصحفي بجريدة الأهرام في أذني متسائلا عما إذا كنت علي علم بأن ذكري والده الصديق العزيز وزميل الدراسة في حقوق الاسكندرية في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي الشاعر والصحفي والاديب اسماعيل الحبروك تحل في السادس عشر من مارس, كنا في أوائل الشهر الماضي وفاجأني حسين بما قال وآخذت نفسي كيف لي ان أنسي ذكري إنسان عزيز تعرفت عليه في بواكير الشباب وميعة الصبا ونحن طلبة في جامعة فاروق الأول بالاسكندرية وكيف كان اسماعيل الحبروك نجم الكلية, فهو معروف للجميع بحكم توهجه الأدبي والشعري فهو يكتب القصة القصيرة أسبوعيا في مجلة روزاليوسف وكنا نتسابق علي قراءة قصصه ثم هو زعيم الطلبة الذي يقف في فناء الكلية ليلقي قصيدة شعرية يلهب بها الحماس فإذا بالكلية جمعاء تخرج في مظاهرات عارمة تطالب بجلاء المستعمر, وكان إلي جانب اسماعيل بعض من الطلبة الذين يتزعمون العمل السياسي محمد عيد وسعد التائه وعبداللطيف النامل يرحمهم الله والشاعر العتيد محمد التهامي أمد الله في عمره ومتعه بالصحة وكانت كلية الحقوق ونحن في السنة الأولي الدراسية تقع في حي محرم بك مكان المدرسة العباسية الثانوية وفي نفس المكان كانت أيضا كلية العلوم وكنا نحن زملاء اسماعيل نعرف انه متيم بحب زميلة طالبة بكلية العلوم وكنا نسترق خطواته وهو يحوم حول مدرجات كلية العلوم وعندما يعود من جولة حبه كنا ننخرط في ضحك ولهو عادة الشباب ونزفه.. وحبيبته هذه هي أم أولاده واسماعيل الحبروك ايضا كان يتمتع ببسمة دائمة وقوام ممشوق وتقاطيع وجه جميلة إضافة الي أناقته في ملبسه وإلي جانب ذلك كله كان مضيافا فهو يعزم علي الشلة وعددها كبير بأكواب الشاي من بوفيه عم صابر الفراش الذي كان يصنع الشاي للطلبة نظير قرش تعريفة للكوب, وتخرج اسماعيل الحبروك قبل تخرجي بعام واحد وجاء إلي القاهرة محررا وصحفيا وكاتبا للقصة في روزاليوسف والتحقت أنا بالاذاعة ومرت شهور وأيام خلالها كنت التقيه صدفة فكنا نتذكر أيام الثغر الجميلة ثم بدأت أقدم برنامج مجلة الهواء في سنة1954 وهاتفت اسماعيل في روزاليوسف ليمدني ببعض قصصه الصغيرة لكي أقدمها في مجلة الهواء وجاء إسماعيل إلي الاذاعة وقال لي انه يكتب الأغنية وقدمته لأستاذنا الراحل حافظ عبدالوهاب الذي أعجب بما يكتبه وكانت أول أغنية له هي أغنية الأرض الخضرا التي غناها كارم محمود وتعددت أغنياته حتي إننا حصرنا حوالي80 أغنية إذاعية وذلك بخلاف اغنياته التي قدمها للسينما, غني له عبدالحليم اسمر يا اسمراني وتخونوه وغيرهما وغنت له نجاة أما غريبة وغنت له فايزة أحمد رجعني لقلبك وغني له كارم محمود اغنية داره قصاد داري والحب مداري ولا أستطيع أن أحصي في هذا الحيز أغنياته جميعا ومن غناها ومن لحنها له ولكن تبقي درة الاغنيات الوطنية تحكي وطنية اسماعيل الحبروك وتأجج مشاعره إنها أغنية ياأغلي اسم في الوجود التي غنتها نجاح سلام ولحنها الموجي وقدمتها الاذاعة إبان العدوان الثلاثي سنة56 فكان لها أثر السحر في إلهاب المشاعر لا في مصر فحسب ولكن في كل أنحاء الوطن العربي وبسبب هذه الأغنية منح الزعيم جمال عبدالناصر الجنسية المصرية لنجاح سلام وكأنه يقول كيف يكون الأداء رائعا والمؤدية لاتكون مصرية أما اسماعيل فقد فاز بجائزة الدولة التشجيعية. وأذكر أنني كنت أقوم بتغطية أحداث دورة روما الاوليمبية سنة1960 وفجأة وأنا أسير في احد شوارع روما التقيت اسماعيل الحبروك وجها لوجه وسألني أين أسكن فقلت له في أحد البنسيونات فقال علي الفور لا هات شنطتك وتعالي معي أنا ساكن في بنسيون جميل جدا وأرخص من البنسيون اللي انت فيه وعشت مع اسماعيل قرابة عشرة أيام وغادر هو روما قبل ان تنتهي فعاليات الدورة, وفجأة وفي صباح16 مارس سنة1961 قرأت نعي اسماعيل الحبروك لقد مات الشاعر الجميل والصحفي اللامع والقصاص الممتع قبل أن يكمل الأربعين من عمره وقد قال لي حسين الحبروك أن آخر أغنية كتبها والده هي أغنية كل شيء راح وانقضي التي غنتها نجاة من تلحين بليغ حمدي, تري هل كان اسماعيل يتنبأ برحيله عن عالمنا عندما كتب هذه الاغنية؟ رحمه الله كيف لي ان أنسي ذكري إنسان عزيز تعرفت عليه في بواكير الشباب وميعة الصبا ونحن طلبة في جامعة فاروق الأول بالاسكندرية وكيف كان اسماعيل الحبروك نجم الكليةلكن تبقي درة الاغنيات الوطنية تحكي وطنية اسماعيل الحبروك وتأجج مشاعره إنها أغنية ياأغلي اسم في الوجود التي غنتها نجاح سلام