يعاني هرم ميدوم احد أهم أهرامات مصر القابع علي أطراف الصحراء الغربية بالقرب من مدينة الواسطي التابعة لمحافظة بني سويف من تجاوزات تهدد دون تهويل لانهيار أعظم ابداعات الفرعون المصري المثمثلة في ال18 هرما من أصل332 لم تكتشف بعد والمنتشرة بمحافظات مصر المختلفة والذي يمثل حلقة انتقالية استثنائية لتاريخ تطور البناء الهرمي في مصر الفرعونية القديمة. ولعل ابرز التجاوزات الصارخة التي تعانيها منطقة الهرم أو واحة ميدوم كما يطلق عليها تتجسد في ظاهرة المياه الجوفية التي بدأت في التسرب أخيرا إلي منطقة الهرم وباتت تشكل تهديدا واضحا علي بنيانه وقواعده ومما زاد من تفاقم المشكلة بروز ظاهرة أخري جديدة آخذة في التزايد والانتشار تجسدت في عمليات حفر آبار مياه الري بشكل مستمر ومتواصل بالقرب من منطقة حرم الهرم في الكيلو الثاني وهو ما صار يشكل خطرا إضافيا لاحتمالات تزايد منسوب المياه و تهديده لبنيان الهرم ولعل ما زاد الطين بله هو عدم تنفيذ أي مخطط أو مشروع اثري لترميم الهرم والشد من أذره فتحول الي كتلة حجرية صامتة أشبه بجثة هامدة في قلب صحراء شاسعة ينتظر الساعات المتبقية له قبل سقوطه حزينا علي فراقه حضارة مصر التي غابت في ظل اهمال مسئولي الآثار والثقافة عنها. واستطاع الاهرام المسائي أن يحصل علي معلومات خطيرة من داخل أروقة مديرية الآثار بالمحافظة تؤكد أن هرم ميدوم قد أصبح حاليا مهددا بالتصدع والانهيار بعد صدور تقارير من المهتمين والمختصين عن تصدع بعض الأجزاء الداخلية من جسم الهرم نتيجة للتعديات والتجاوزات الصارخة المحيطة بمنطقة الهرم والتي فرضت عليها نوعا من الحصار الإجباري الذي يصعب في الوقت الراهن اعتراف المسئولين بها وإيجاد حل لها. يقول أشرف مصطفي مدرس من سكان منطقة ميدوم: بدأت تتسرب المياه الجوفية أسفل بعد ظهور الكثير من التعديات الصارخة بمنطقة هرم ميدوم الأثرية وخاصة من الناحية الغربية للهرم بعد الكيلو الأول هذه التعديات الصارخة بدأت في الظهور علي استحياء مع مطلع السنوات العشر الأخيرة ولكنها سرعان ما أخذت في التزايد والانتشار بصورة رهيبة أخيرا وخاصة في زمن ما بعد الثورة واستغلال تدهور الحالة الأمنية للبلاد بصورة سيئة وغير مشروعة في اغلبها وقد تجسدت هذه التعديات والتجاوزات الصارخة في عملية السماح لبعض الشركات العاملة في استصلاح الأراضي الصحراوية بالقيام باستصلاح أجزاء لا بأس بها من أراضي المنطقة الأثرية بغرض الزراعة بالرغم من أنها تعتبر حرم آثار ولا يجوز التعدي عليها بأي شكل من الأشكال سواء بالبناء أو الزراعة أو غيرهما الا أن هذه الشركات قد استندت في تجاوزاتها إلي القرار الوزاري الذي صدر منذ سنوات عديدة و يجيز السماح بعملية الاستصلاح الزراعي في الكيلو الثاني من موقع الأثر. ويضيف عباس محمد مهندس زراعي: قام عدد من شركات استصلاح الأراضي بالمنطقة في بداية الأمر بحفر أكثر من11بئرا للمياه بالمنطقة علي أعماق ضخمة تتراوح بين6 إلي8 أمتار ويبلغ قطر البئر الواحدة منها نحو25 مترا وذلك بغرض تخزين المياه بكميات كبيرة داخل هذه الآبار لاستغلالها بعد ذلك في عمليات الاستصلاح الزراعي المنتشرة بالمنطقة دون النظر لما تمثله هذه الظاهرة المخيفة من خطورة بالغة وتهديد مستقبلي واضح للمنطقة الأثرية بصفة عامة والمبني الأثري للهرم بصفة خاصة, والكارثة الحقيقية في هذا الأمر تجسدت وباعتراف بعض المسئولين في تزايد وتواصل عمليات حفر الآبار بالمنطقة بصورة رهيبة وملفتة للنظر للغاية خلال السنوات القليلة الأخيرة وخاصة في العامين الأخيرين اللذين أعقبا ثورة25 من يناير ويكفي أن نعلم عدد الآبار التي حفرت أخيرا بالمنطقة والتي قفزت إلي نحو80 بئرا دفعة واحدة لندرك بالفعل حجم الخطر الحقيقي الذي صار يحيط بهرم ميدوم ومنطقته الأثرية. وكان محافظ بني سويف الأسبق اللواء احمد زكي عابدين والذي كان يشغل ايضا منصب وزير التنمية المحلية قد تنبه مبكرا لهذه الكارثة وبادر وقت أن كان محافظا لبني سويف بتشكيل لجنة موسعة لدراسة الأزمة من كل جوانبها واتضح حينها من معاينة اللجنة أن هذه الآبار تشكل بالفعل خطورة حقيقة علي هرم ميدوم في المستقبل القريب غير أن القدر لم يمهل الرجل وقتها لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحلول دون تزايد وانتشار هذه الظاهرة المؤسفة حيث تم تكليفه بعدها مباشرة للعمل كمحافظ لكفر الشيخ ومنها إلي وزارة التنمية المحلية. وأكد قرني محمد فرحات الخبير الأثري ومدير ترميم آثار مصر الوسطي وفقا للدراسة التي كان قد أعدها انه في أواخر عصر( البليوسين) وأوائل عصر( البلايوستوسين) تمكنت بعض المجاري المائية الآتية من الغرب أن تنحت تكوينات هضبة الفيوم وهي في طريقها شرقا لتصب في النيل الذي كان منسوبه وقتها اقل بكثير من منسوبه الحالي نظرا لانحدار التركيب الجيولوجي للمنطقة والذي ينحدر ناحية الشرق وكان له تأثير بالغ من خلال حركة المياه والتي ربما تأتي من الغرب عن طريق بركة( قارون) أو بحر( يوسف) لتصب في النيل أو بعض الترع والمصارف المحيطة بمنطقة هرم ميدوم, وأكدت الدراسة وقتها أن تأثير هذا التركيب يتمثل فيما تشكله المياه الجوفية من خطورة فعلية علي التركيب الجيولوجي لمنطقة الهرم والمسميaquifer أي الحامل للمياه والتي يتمثل تأثيرها علي هرم ميدوم في عملية إذابة عروق الجبس المتداخلة مع الطفلة و الموجودة ضمن الترسيبات الجيولوجية بالإضافة إلي صعود محاليل كبريتات وكربونات الكالسيوم خلف الأحجار المشيد بها الهرم حيث تتبلور أملاح هذه المحاليل في النهاية علي الأسطح الحجرية لهرم ميدوم أو بين الأحجار وذلك طبقا لمسامية الأحجار المستخدمة في تشييد الهرم. لذا حذر قرني من سرعة سريان المياه الجوفية بالمنطقة والتي تتوقف علي نفاذية الطبقات الحاملة والانحدار الهيدروليكي الذي يسبب السريان ونظرا لتشبع التركيب الجيولوجي بالماء وخاصة في تكوينات الحجر الطفلي( الرأفين) وما يحدثه من انتفاش معادن الطفلة ومدي ما تمثله هذه الظاهرة من تأثير واضح ومباشر علي الأحجار المشيد منها جسم الهرم ولهذا تظهر التشققات والشروخ علي أسطح هذه الأحجار.