سلسلة من الاحداث الثقافية المتنوعة أثرت عليها الأجواء السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر, وتنوعت ما بين لحظات مضيئة ومابين عدد من الإحباطات الثقافية, الخاصة بحرية الرأي والإبداع شهدها العام2012. معرض الكتاب الأول بعد الثورة بدأ العام بداية قوية بتنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين وكانت اول دورات المعرض بعد ثورة25 يناير الذي لم يقام في العام السابق بسبب الثورة, وكانت تونس ضيف شرف المعرض في هذه الدورة, بعد أن اعتذرت الصين عن عدم المشاركة لتزامن معرض القاهرة مع معرض لندن, واختيرت تونس كضيف شرف تقديرا لدورها الريادي في الثورات العربية, واحتفاء بمرور عام علي ربيع الثورات العربية, الذي كان محور تلك الدورة. وينتهي العام باستعدادات هيئة الكتاب لإقامة الدورة الرابعة والأربعين من معرض القاهرة للكتاب, واختيرت ليبيا كضيف شرف. جوائز ومبدعون وأعلنت في منتصف العام جوائز الدولة في المجلس الأعلي للثقافة والتي فاز بها أسماء لامعة من الكتاب والأكادميين ففاز الأديب الراحل إبراهيم أصلان بجائزة النيل أرفع جوائز الدولة في مجال الآداب, وفاز الكاتب والسيناريست وحيد حامد بجائزة النيل بفرع الفنون, والدكتور محمد الجوهري أستاذ علم الاجتماع في فرع العلوم الاجتماعية. وفوز الكاتب الراحل محمد البساطي بجائزة الدولة التقديرية للآداب وكذلك فاز الشاعر الكبير محمد أبو سنة, والكاتب محمد سلماوي, رئيس اتحاد كتاب مصر بنفس الجائزة فرع الآداب. وفاز أحمد السيد النجار, خبير الاقتصاد بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية, بالمركز الأول في جائزة التفوق في مجال العلوم الاجتماعية, وفاز الدكتور عمار علي حسن, بالمركز الثاني. لكن اكثر ما أثار التساؤلات في الوسط الثقافي هو فوز الدكتور محمد صابر عرب, وزير الثقافة بجائزة الدولة التقديرية فرع العلوم الاجتماعية, خاصة بعد أن تقدم باستقالته قبل إعلان النتيجة والعودة إلي منصبه بعد فوزه بالجائزة. أما الجوائز المستقلة وأبرزها جائزة نجيب محفوظ للرواية بالجامعة الأمريكية وفاز بها هذا العام الكاتب عزت القمحاوي عن روايته بيت الديب, وانتهي العام باعلان الفائز بجائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة وهو الكاتب الشاب محمد الفخراني عن مجموعته القصصية قصص تلعب مع العالم وهي المجموعة الرابعة له. معارك إبداعية وكانت اهم القضايا الثقافية التي شغلت المثقفين في عام2012 هي محاولات دفاعهم عن حرية الرأي والتعبير والإبداع من خلال الوقفات الإحتجاجية تحت مسميات عدة جميعها كانت مابين ميدان طلعت حرب وميدان التحرير وشارك فيها رموز الحركة الثقافية. و من أهم المعارك ايضا مسرح الجرن وهو فكرة المخرج المسرحي أحمد إسماعيل والتي أوقفها الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة لدراسة عائدها الثقافي, لكن اسماعيل أقام مؤتمرا للتضامن مع مسرح الجرن وحضره وزير الثقافة الذي قرر دعم مسرح الجرن بكل إمكانيات الوزارة. ومن ضمن المعارك التي خاضها المثقفون هي محاولات المحافظة علي التراث المعماري في مصر في كثير من المحافظات أولها في الإسكندرية ووقف هناك النشطاء أمام هدم فيلا شيكوريل وهو مبني تراثي ضمن قائمة المباني التراثية, وبعدها كانت مأساة المباني التراثية في محافظة بورسعيد والتي كانت تتعرض لعمليات هدم منظمة بسبب سيطرة رأس المال التي ستحرم المنطقة من تراثها المعماري والثقافي. ارتباك النشاط الثقافي أثرت الأحداث السياسية علي النشاط الثقافي وأصابته بالإرتباك بسبب إنشغال النخبة والجمهور في اعداد الدستور ومناقشته والإستفتاء عليه, هذا جعل من أي نشاط ثقافي يقام اهدار للوقت والموارد, وهذا ظهر في عدد من المؤتمرات أهمها مؤتمر الشعر المصري في دورته الأولي والتي حملت اسم فؤاد حداد وأقيمت بالمجلس الأعلي للثقافة وشهدت حضورا ضعيفا بسبب اعتذار العديد من المشاركين في الفعاليات حيث أكد جانب منهم ان ارتباك المشهد السياسي والثقافي يؤثر علي المبدع وأشار البعض الآخر إلي أن عدم دعم المؤسسات المعنية للثقافة والمثقفين أدي إلي نفس النتيجة. وايضا سلسلة التأجيلات التي شهدها مؤتمر أدباء مصر والذي كان مقررا عقده في مدينة شرم الشيخ, جاء أيضا بسبب الأحداث السياسية. سوق النشر تاثر سوق النشر في مصر مثل باقي الأنشطة علي المستوي الثقافي او الإقتصادي, اذا كان نشرا عاما او خاصا, ويرجع ذلك إلي عدد من الأسباب, منها كثرة المنتج الإبداعي وقلة الطباعة في النشر الخاص بسبب الحالة الإقتصادية العامة, مما يدفع المبدعين للتكالب علي الهيئات الحكومية التابعة لوزارة الثقافة مما يزيد من عدد المتقدم ويتاخر في الصدور لإنتظار دوره لأن المؤسسات الحكومية مربوطة بعدد إصدارات معين لا يمكن أن تتخطاه. مبدعون راحلون خسرت مصر في عام2012 مجموعة من أفضل مبدعيها في مختلف المجالات الفكرية والثقافية, تاركين وراءهم منتجهم الفكري ليكون منارة للأجيال القادمة, إذا بدأ العام برحيل الكاتب الكبير إبراهيم اصلان في الإسبوع الأول من شهر يناير إثر أزمة صحية, ويعد أصلان واحدا من أبرز الرموز الثقافية في مصر والعالم العربي. وهو صاحب رواية مالك الحزين, والتي استوحي منها المخرج دواود عبد السيد فيلمه الكيت كات الذي اختير من بين اهم مائة فيلم انتجتها السينما المصرية منذ انطلاقتها قبل اكثر من112 عاما. وفي منتصف شهر يوليو رحل الكاتب محمد البساطي بعد صراع مع سرطان في الكبد, وهو الروائي الذي يعتبره النقاد من أهم روائيي وقصاصي جيل الستينات في مصر والعالم العربي. كما فقد الوسط الثقافي في نهاية شهر نوفمبر الكاتب والمفكر الدكتور ميلاد حنا, عن عمر يناهز88 عاما, والذي يعد واحدا من أبرز الكتاب والمفكرين السياسيين, وكان واحدا من بين المشاهير الذين شملتهم اعتقالات سبتمبر1981, قبيل اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع رموز الحركة الوطنية. وفي الإسبوع الأخير من ديسمبر, توفي الفيلسوف والأديب والمترجم د. عبد الغفار مكاوي عن عمر يناهز82 عاما, أستاذ الفلسفة الحديثة, وأحد أفضل وأبرز المترجمين المصريين عن اللغة الألمانية والذي أنجز ترجمات عن كبار الفلاسفة أمثال إيمانويل كانط ومارتن هيدجر, وذلك إثر إصابته بالتهاب رئوي, وبعده بايام رحل الدكتور سامر سليمان, أستاذ مساعد الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة, ومؤلف كتاب النظام القوي والدولة الضعيفة, وأحد أوائل من فسروا أزمة النظام السياسي في مصر من مدخل الأزمة المالية لجهاز الدولة.