تعكس النتائج النهائية للاستفتاء علي الدستور ملامح الأزمة الحاصلة في مصر اليوم، وهي أزمة تضع البلاد في حقيقة الأمر علي شفا حفرة من النار، يتعين علي جميع العقلاء في هذه الأمة إذا ما تبقي فيها من العقل شيء أن يتصدوا لها بالحكمة والفعالية اللازمة قبل فوات الأوان. نجحت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من قوي الإسلام السياسي في تمرير نصوص الدستور الجديد، ولم يعد أمام المصريين الآن من حل سوي الانتظار لنحو ثلاثة أشهر، وهو الموعد المحدد سلفا لإجراء الانتخابات النيابية، لانتخاب أول برلمان بعد الدستور، وهي الانتخابات التي تعتبرها قوي المعارضة "معركة حياة أو موت" إذ إن سيطرة قوي الإسلام السياسي علي الغرفة الأولي للبرلمان، من شأنها أن تفتح الطريق واسعا أمام هيمنة كاملة علي البلاد، قد تدفع بها في اتجاه اعتماد النموذج الإيراني الذي صار في نظر كثيرين اليوم، هو الأقرب لشكل الدولة المصرية الجديدة. لن تنتظر الجماعة وحلفاؤها كثيرا، لكنها سوف تسعي بكل قوة لتمرير قوانينها الخاصة عبر مجلس الشورى، الذي بدأ أعمال دورته الجديدة الأربعاء الماضي بعد اكتمال نصابه القانوني بالتعيينات التي أعلن عنها الرئيس مؤخرا، والتي نال الإسلاميون نصيبا وافرا منها بما يضمن نسبة الثلثين، وهو ما يعني بوضوح اكتمال تلك الحلقة الجهنمية للهيمنة علي كل السلطات في البلاد، بما فيها السلطة القضائية التي تخوض معركتها الأخيرة هي الأخرى، والتي ينهي الدستور الجديد استقلاليتها عن السلطة التنفيذية. تبدو الأوضاع في مصر اليوم أشبه ما تكون بما حدث في إيران في العام 1979،عندما نجح الملالي في تمرير الدستور بعد انسحاب جميع القوي المدنية، ليستهلوا عهدهم بالبطش بمخالفيهم، وقد بلغ الأمر حد إعدام نحو مائة ألف معارض من فلول نظام الشاه، صحيح أنه واقع غير قابل للتكرار في مصر لاعتبارات عدة، لكن ذلك لن يمنع جماعة الإخوان المسلمين من المضي قدما نحو تأكيد هيمنتها علي مقدرات الدولة، سواء بالسيطرة علي السلطة التشريعية المؤقتة ممثلة في مجلس الشورى، أو عبر تشكيل الحكومة الجديدة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يفتح خيارات عدة أمام "جبهة الانقاذ" من بينها احتمالية الاندماج في حزب سياسي قريبا، لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة موحدة، ولعلها تكون الفرصة الأخيرة للمعارضة، إذا ما نجحت في الفوز بأغلبية مريحة في البرلمان، تمكنها من التصدي لأي قوانين قد تجر البلاد للخلف. يبدو النهج الديمقراطي هو السبيل الوحيد الآن لإنقاذ مصر، وهو ما يفرض علي جميع القوي فيها التحلي بالمسئولية اللازمة للوفاء باستحقاقاتها تجاه جماهيرها العريضة التي راهنت عليها ولا تزال، بعيدا عن الاستمرار في تصعيد ربما يؤدي إلي صدام يتخوف كثيرون أن يؤدي إلي إشعال حرب أهلية في البلاد. لا بديل لمصر سوي الاحتكام إلي الديمقراطية، إذا ما أرادت الانتقال إلي حكم مدني حقيقي، لكن ذلك يستلزم أن تعي قوي المعارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ، أن صناديق الاقتراع لا تعرف الخطب الحماسية، وأن آليات الانتخابات تختلف عن آليات الحشد في الشوارع والميادين، وأن تدرك قوي الإسلام السياسي ايضا وقد صارت في الحكم، أنهم ليسوا وكلاء عن الله في الأرض، وأن الاستمرار في تأزيم الأوضاع ربما يؤدي في النهاية الي انقلاب عسكري، يظل دائما هو الخيار الأكثر بؤسا، في مواجهة قوي خذلت جماهيرها، عندما فشلت في الوصول إلي لغة مشتركة، وساهمت بعناد لا يفتقد التهور والضلال في خرق سفينة الوطن. رابط دائم :