هناك صعوبات تواجه عملية التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط عقب الانتفاضات العربية فالفلول غير مرحبين بفقدان السلطة, والثوريون والجبهات العلمانية وجدت نفسها في موقف الضعف بينما ظهر الإسلاميون الأكثر تنظيما علي الساحة السياسية, إلا أن السياسيين الجدد أوجدوا حالة من الاختلاف والانقسام والعنف تثير مئات التساؤلات حول مستقبل دول الربيع العربي هذا مايؤكده المسح الاستراتيجي لعام2012 تحت عنوان العرض السنوي للشئون العالمية الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية(iiss) وهو تقرير صدر منذ عام1966 ليفسر ويحلل الأحداث الرئيسية طوال العام في العلاقات الدولية ويقدمها لصانعي السياسات الحكومية وقادة الأعمال والأكاديميين ويشرح مايدعو الي القلق في العام المقبل. اخترت التركيز علي الشرق الأوسط الذي يعد نجم العام الذي أبهر العام كله وفاجأه بزلزال الثورات التي تتلاحق أحداثها كل ساعة وربما كل دقيقة أيضا. ويقول التقرير إن السياسيين الجدد في دول الربيع العربي يواجهون مشاعر الاحباط والخوف إلي جانب ظهور العديد من الفرقاء المتصارعين علي السلطة, واثارة ذعر الأقليات من أن حكم الأغلبية يمكن أن يعصف بحقوقهم,كما أن عملية التحول الديمقراطي أيضا يصاحبها ثمن باهظ علي المستويين السياسي والاجتماعي. وللأسف كما يذكر التقرير تبحث الأغلبية الصامتة أو( حزب الكنبة) عن الاستقرار الذي كانت توفره الأنظمة الديكتاتورية القديمة ويوضح التقرير كيف أن عملية التحول صاحبتها مشكلات في مصر وليبيا إلي جانب اشتعال المذابح في سوريا ويشدد التقرير علي أن التغطية الإعلامية ووسائل الإعلام الاجتماعية جعلت الأمور أكثر ظلاما في الربيع العربي. يقول التقرير إن العرب اكتشفوا أن التغيير والتقدم غير مؤكدين مثلما كانوا يعتقدون بعد نجاح ثوراتهم. وفي سوريا غرقت البلاد في حرب أهلية,وفي البحرين كان دعم الأسرة المالكة اقليميا سببا في فشل الثورة مما أدي إلي صعود الأصوات المعارضة ولكن دون جدوي. وفي مصر كمايقول التقرير لايزال التحول الديمقراطي يمر بطريق صعب للغاية يجعل الأمور غير مؤكدة ففي30 يونيو2012 وصل الرئيس محمد مرسي إلي السلطة ولكن الدستور لايزال غير موجود كما لايوجد برلمان ولذا لم يتحول نجاح الثورة إلي نجاح علي أرض الواقع ويلاحظ التقرير أن الجيش والإسلاميين والثوريين غيروا مواقفهم وسلوكهم لتوسيع مكاسبهم السياسية, إلا أن طاقة الثوريين تلاشت مع ظهور الإخوان المسلمين والجيش كلاعبين أساسيين علي الساحة السياسية في مصر. وفي ليبيا؟ أسفر سقوط معمر القذافي عن فراغ سياسي في السلطة وظهور الجماعات المسلحة التي تحارب السلطة الانتقالية. وفي تونس ربما كانت الأحوال أفضل بوجود أول دستور ديمقراطي ونمو التعددية السياسية. أما في الدول التي شهدت ثورات محدودة مثل المغرب والأردن حدثت بعض الاصلاحات وزاد الانفاق الحكومي وحدث ذلك أيضا في الجزائر ودول الخليج لمنع تفاقم الثورات. بينما لاتزال هناك مخاطر لتفاقم الأوضاع في الكويت والسعودية والإمارات ولكن العلمانيين لم يسيطروا علي المشهد في تلك الدول حيث تركزت علي الشباب وعلي الشيعة في البحرين الذين تدعمهم إيران وذلك له علاقة بالمنافسة بين دول الخليج وإيران. ويشير التقرير إلي أن الإسلام السياسي فرض نفسه ووجد قبولا مثل انتخاب الرئيس محمد مرسي في مصر حيث صعد من حركة الأخوان الذين أبلوا بلاء حسنا علي الانتخابات التشريعية أيضا. كما فاز حزب النهضة في تونس بانتخابات2011 كما فازوا بمعظم مقاعد البرلمان وقاموا بتشكيله, وفي ليبيا صعدت الحركات الاسلامية خاصة العدالة والبناء وحزب الأمة. ولكن وفقا للتقرير فإن نجاح الاسلاميين جعلهم يقعون تحت ضغط الطموحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لشعوبهم, كما أن قدرتهم علي التكامل وطمأنة الجماعات الأخري يتم اختبارها, كما يواجه الإخوان منافسة أخري وضغوطا من جانب السلفيين. ويؤكد التقرير أن الثورات العربية كشفت عن ضعف ونقص الخبرة السياسية للجماعات غير الإسلامية. إلي جانب سوء التنظيم والخلافات فيما بينهما. وبالنسبة لتأثير الثورات العربية علي النظام الاقليمي يري التقرير أن صعود الاسلاميين أثر بلا شك علي الجيوسياسية الاقليمية. فإسرائيل قلقة من علاقة حماس بالاسلاميين واحتمالات المواجهة مع مصر أو إلغاء اتفاقية السلام إلي جانب القلق من علاقة حزب الله بالإخوان المسلمين كما واجهت دول الخليج تحديات واحتمال فقد مصر كشريك أساسي. ويشير التقرير إلي أن مصر وليبيا وتونس تتهم قطر والسعودية والإمارات بضخ تمويلات وتقديم غطاء ديني وإعلامي وسلاح للجماعات التي تخدم مصالحها للحد من تداعيات الثورات في تلك الدول. وفي البحرين واليمن اتهمت دول الخليج بوأد الثورات هناك أيضا, وللضغط علي الرئيس السوري بشار الأسد, تم ضخ أموال وأسلحة للمعارضة السورية لفك التحالف الايراني وحزب الله مع سوريا, أما حماس أحد أفرع جماعة الأخوان المسلمين السنية وحليفة الأسد أبعدت نفسها عن هذا التحالف. الصراع في سوريا يهدد بلا شك باشتعال حرب اقليمية وقد أثرت أحداث سوريا بالفعل علي اشعال التوترات الطائفية في لبنان خاصة الصراع بين العلويين والسنة في شمال طرابلس والتي أدت إلي سقوط عشرات القتلي. فالمجلس اللبناني الهش الذي تسيطر عليه أحزاب قريبة من سوريا ويرأسها رئيس وزراء سني لم تستطع أن تنأي بنفسها عن الأزمة السورية وإلي جانب فرار العديد من اللاجئين إلي شمال لبنان واكتظت بالثوار الذين يحاولون ضخ الأسلحة إلي داخل سوريا, كما أن الجماعات التي تدعم سوريا والتي تسيطر علي قوات الأمن اللبنانية تؤثر علي النظام الأمني في بيروت بلا شك. ومع تدفق اللاجئين السوريين علي الأردن كان الملك عبد الله أول من ناشد الأسد بالتنحي. اقليميا أيضا تصدر القلق لاسرائيل بعد عقود من الاطمئنان للهدوء علي هضبة الجولان كما تواجه تل أبيب تحديات بالنسبة لعلاقتها مع مصر. ويشير التقرير إلي أن مصر واجهت ولا تزال تواجه تحديات كثيرة بعد الثورة حيث يسعي اللاعبون القدامي والجدد للتأثير في عملية التحول الديمقراطي والسيطرة علي السلطة, ولا شك أن كل هذه الصراعات ستنتقل آثارها إلي عام2013 الذي نأمل أن يحمل آمال الاستقرار والتوافق الوطني في دول الربيع العربي.