أكد البنك الدولي في تقرير له انه آن الاون لأن نقر ونسلم بأن الازمة المالية التي تعرض لها العالم أخيرا قد أدت إلي ظهور عالم اقتصادي جديد, فاذا كان عام1989 قد شهد نهاية العالم الثاني بانهيار الشيوعية فان عام2009 هو الذي رأي مشهد النهاية لما كان يعرف بالعالم الثالث فنحن نعيش الآن في اقتصاد عالمي جديد متعدد الأقطاب وماض في التطور بوتيرة سريعة عالم يبزغ فيه نجم بعض البلدان النامية كقوي اقتصادية, وتمضي فيه بلدان نامية أخري قدما لترفد أقطاب النمو بروافد اضافية, فيما تواجه بعض البلدان الاخري مصاعب جمة في بلوغ قدراتها الكامنة داخل هذا النظام الجديد حيث بات الآن الشمال والجنوب والشرق والغرب نقاطا في البوصلة, وليست مقاصد اقتصادية. ان الفقر مازال مستشريا, ولابد من معالجة أسباب استشرائه, كما أن الدول الفاشلة مازالت قائمة, ولابد من معالجة أسباب فشلها, وتتزايد وطأة التحديات العالمية, ولابد من التصدي لها, لكن الطريقة التي يتعين أن نعالج بها هذه القضايا آخذة في التغيير, فالتقسيمات التي عفا عليها الزمن التي تصنف بلدان العالم إلي عالم أول وآخر ثالث, ومانح ومتلق, وقائد وتابع لم تعد مناسبة, ان آثار ومدلولات هذه التغييرات والتحولات عميقة وجوهرية: علي صعيد تعدد الأطراف, والعمل التعاوني العالمي, والعلاقات بين القوي, والتنمية والمؤسسات الدولية. روبرت ب. زوليك رئيس مجموعة البنك الدولي أكد أن الازمة الاقتصادية العالمية كشفت عن أهمية النظام المتعدد الاطراف. فمنذ بداية السقوط في هاوية الأزمة الاقتصادية, احتشدت البلدان واصطفت معا لانقاذ الاقتصاد العالمي, بل ولدت مجموعة العشرين بنهجها الحديث من رحم هذه الازمة. اذ سرعان ما أوضحت هذه المجموعة قدرتها علي التصرف السريع لاستعادة الثقة وترسيخها, ولعلنا نتساءل الآن: هل كانت تلك الهبة مجرد خروج عن المألوف؟ أم كانت مجرد ومضة سريعة الزوال, وتساءل هل سيعيد المؤرخون النظر إلي عام2009 فيرونه عاما لتعاون دولي فريد لن يتكرر أم بداية انطلاقة أمر جديد؟ وأضاف أنه لم يكن العالم النامي سببا في نشوب الازمة الاقتصادية العالمية, لكن في مقدوره ان يكون جزءا مهما من الحل, وسوف تكون لعالمنا ملامح ومعالم مختلفة تماما في غضون عشر سنوات, فلن يأتي الطلب من الولاياتالمتحدة وحدها بل سيأتي من كل أرجاء المعمورة, اننا نري التغييرات والتحولات بأم أعيننا, فها هو نصيب آسيا من الاقتصاد العالمي وقد حقق ارتفاعا مطردا, علي أساس تعادل القوي الشرائية, من7% في عام1980 إلي21% في عام2008, وتمثل أسواق الاوراق المالية في اسيا الآن32 في المائة من رسملة السوق العالمية, أي أنها سبقت الولاياتالمتحدة وأوروبا اللتين تبلغ نسبتهما30 و25 في المائة علي التوالي, وفي العام الماضي حلت المانيا كأكبر دولة مصدرة في العالم. كما نجحت الصين في أن تحل محل الولاياتالمتحدة كأكبر سوق للسيارات في العالم. وتحكي لنا أرقام الواردات قصة مليئة بالخبايا والاسرار: فالعالم النامي أصبح القوة المحركة للاقتصاد العالمي. ويرجع معظم انتعاش التجارة العالمية إلي قوة الطلب علي الواردات من جانب البلدان النامية. فقد زادت واردات البلدان النامية فعليا بواقع2% عن مستوي ذروتها في ابريل عام2008 قبل اندفاع الازمة, وعلي النقيض من ذلك ماتزال واردات البلدان المرتفعة الدخل أقل بنسبة19 في المائة من أعلي مستوي لها فيما مضي, وعلي الرغم من أن واردات بلدان العالم النامية لاتمثل سوي نحو نصف واردات البلدان المرتفعة الدخل, فانها تنمو بوتيرة أكثر سرعة. ونتيجة لذلك مثلت هذه الواردات أكثر من نصف الزيادة في الطلب العالمي علي الواردات منذ عام2000. وقال ان الاقتصاد العالمي ماض في سبيله إلي اعادة توازنه, وبعض هذه العملية جديد, فيما يمثل البعض الآخر منحي الاستعادة والتجديد, وطبقا لما يقوله أنجس ماديسون, مثلت آسيا اكثر من نصف الناتج العالمي في ثمانية عشر قرنا من العشرين قرنا الماضية. ونشهد الآن تحركا في اتجاه تعدد أقطاب النمو, في ظل نمو الطبقات المتوسطة في البلدان النامية, وانضمام مليارات الناس إلي ركب الاقتصاد العالمي, والانماط الجديدة التي تجمع بين ازدياد التكامل الاقليمي والانفتاح العالمي. وليس هذا التغير حكرا علي الصين أو الهند, فنصيب بلدان العالم النامية من اجمالي الناتج المحلي للعالم قد ارتفع, علي اساس تعادل القوي الشرائية من33,7% في عام1980 إلي43,4% في عام2010. وسوف تحقق البلدان النامية معدلات نمو قوية, علي الأرجح, علي مدي السنوات الخمس القادمة وما بعدها, وفي مقدور منطقة افريقيا جنوب الصحراء أن تحقق نموا يزيد في المتوسط علي6% سنويا من الآن حتي عام2015, فيما يمكن ان تحقق منطقة جنوب اسيا, التي يقطنها نصف فقراء العالم, نموا يصل إلي7% سنويا خلال الفترة نفسها, لقد أصبحت منطقة جنوب شرق أسيا منطقة متوسطة الدخل بها حوالي600 مليون نسمة. ولها روابط متزايدة مع الهند والصين, فضلا عن تعميق روابطها مع اليابان وكوريا واستراليا, والحفاظ علي استمرار صلاتها وروابطها مع أمريكا الشمالية وأوروبا من خلال الاستعانة بالمصادر العالمية. وتمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا مصدرا مهما لرأس المال بالنسبة لباقي أنحاء العالم, كما أن دورها كمركز لانشطة الاعمال والخدمات فيما بين اسيا بشرقها وجنوبها وأوروبا وافريقيا آخذ في التزايد, وبلغ اجمالي الاحتياطيات الرسمية لدول مجلس التعاون الخليجي أكثر من500 مليار دولار في نهاية عام2008 فيما تقدر أصول صناديق ثرواتها السيادية بما يصل إلي تريليون دولار, وإذا تمكنت دول المغرب العربي من تجاوز مواطن الخلل السابقة, فسيكون في استطاعتها أن تكون جزءا من التكامل الأورومتوسطي بصلاتها وروابطها مع كل من الشرق الأوسط وافريقيا, وفي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي, تم انتشال60 مليون شخص من براثن الفقر فيما بين عام2002 و2008 وأحدثت الطبقة المتوسطة الآخذة في النمو فيها زيادة في أحجام الواردات بمعدل سنوي بلغ15%. وأكد أنه يمكن أن تشتد حركة الصفائح التكتونية الاقتصادية والسياسية أكثر فأكثر, لقد فاتت علي افريقيا في السابق فرصة اللحاق بقطار ثورة التصنيع التي انتشلت اقتصاديات شرق آسيا من الفقر ودفعتها إلي الرخاء والازدهار.