ماليزيا أو اسيا الحقيقية كما يطلق عليها الماليزيون أنفسهم والتي تحولت خلال ثلاثين عاما فقط من دولة فقيرة تعاني من انتشار البطالة وتفشي الأمراض وأزمات اقتصادية طاحنة إلي عملاق اقتصادي في جنوب شرق اسيا حيث استطاع مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الاسبق مايسترو التنمية والنهضة في ماليزيا والذي التقيته ثلاث مرات اخرها الشهر الحالي.. والذي تولي المسئولية عام1980 الاستفادة من جميع الطاقات الموجودة بالبلاد والتركيز بشكل اساسي علي النهوض بالتعليم وارسال البعثات التعليمية إلي الخارج وفتح افاق الاستثمار أمام العالم دون أي عوائق أو عقبات ليجني الماليزيون اليوم ثمار تلك السياسات الاقتصادية الناجحة في واحدة من الدول الإسلامية التي تمثل ثقلا اقتصاديا عالميا. والحقيقة التي تلمسها بمجرد هبوطك من الطائرة علي أرض مطار كوالالمبور هي أن المطار يمثل الواجهة المتقدمة للدولة ويعكس نهضتها الكبيرة فهو من أكبر مطارات العالم من حيث ممرات الطائرات والاسواق الحرة واتساع المطار والذي تتحرك داخله عن طريق قطار كهربائي صديق للبيئة ينقلك إلي منافذ الجوازات والتي يصل عددها إلي أكثر من30 منفذا لدرجة انك تشعر بأنه تم عمل منفذ لكل سائح من كثرتها وعدم وجود أي زحام بها. ورغم ارتفاع حرارة الجو واستمرار هطول الأمطار بغزارة خلال تلك الفترة من العام شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر الا أن نظافة الشوارع وانتظام حركة المرور دون خلل أو تأثر بكميات الأمطار الكبيرة يجعلك تشعر بوجود نظام لكل شيء وان كلمة المصادفة أو حسب الظروف غير موجود في القاموس الماليزي. شارع العرب والحقيقة ان زيارتي لماليزيا خلال الشهر الحالي ليست الأولي وانما الثالثة حيث كانت الأولي عام2000 لحضور فاعليات مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي والتي أصبحت منظمة التعاون الإسلامي في العاصمة الماليزية كوالالمبور والفرق شاسع بين زيارتي الأولي والثالثة حيث لمست تقدما وتطورا كبيرا في جميع المجالات في شبكة الطرق والبنية الاساسية والطفرة البارزة في حركة البناء والتعمير فقد تمت اضافة عشرات الفنادق والمراكز التجارية الجديدة في العاصمة المتألقة كوالالمبور. وعندما تبدأ في التجول في شوارع كوالالمبور يخطف بصرك أعلي مبني بها وهو البرجان التوأمان أو برجا بتروناس نسبة إلي شركة البترول الماليزية بتروناس مالكة البرجين حيث يبلغ ارتفاعهما452 مترا ويشتملان علي88 طابقا ويربطهما جسر معلق في الطابقين41 و42 بالاضافة إلي النافورة الساحرة التي تقع خلف البرجين وتعد أحد المزارات السياحية المهمة. وعلي بعد أمتار ليست كبيرة من مبني البرجين تجد أشهر شوارع كوالالمبور والذي يطلق عليه شارع العرب نظرا لوجود العديد من المطاعم العربية والمحلات به وكذلك يعتبر الشارع الذي لا ينام مركزا مهما لتجمع العرب من جميع الجنسيات خاصة دول الخليج العربي التي تحتل الصدارة في عدد السياح إلي ماليزيا. ملتقي النهرين وكوالالمبور والتي تعني ملتقي النهرين نهر كوالا ونهر كومباك تحولت خلال السنوات الاخيرة إلي العاصمة الاقتصادية لماليزيا بعد أن تم نقل اختيار مدينة بتروجايا والتي تبعد حوالي50 كم عن كوالالمبور لتكون العاصمة السياسية الجديدة والتي تحولت من منطقة غابات ومستنقعات إلي أجمل مدن ماليزيا من حيث الهدوء والمساحات الخضراء وانخفاض معدلات التلوث لدرجة أن الماليزيين يطلقون عليها مساكن داخل حديقة وتم اطلاق اسم بتروجيا عليها تكريما لأول رئيس وزراء لماليزيا تونكو عبد الرحمن بوترا. والواقع يؤكد أن تلك الطفرة الحقيقية يعود الفضل في انجازها إلي تكاتف الشعب الماليزي كله والذي يبلغ عدد سكانه28 مليون نسمة ويضم60% ملايو مسلمين و25% من أصول صينية و8% من أصول هندية والباقي عرقيات أخري متنوعة حيث استطاع الماليزيون تحقيق معدل نمو بلغ5,5%. وتستوعب ماليزيا ثلاثة ملايين أجنبي يعملون بها بينهم1,5 مليون بشكل شرعي والباقي بدون تأشيرات دخول أو إقامة في الوقت الذي يوجد فيه كما قال لي الشيخ أحمد فخر الدين والذي يعمل بوزارة السياحة الماليزية ودرس بالأزهر الشريف 10% بطالة ولكن المجتمع الماليزي يسميهم كسالي نظرا لوجود فرص عمل كثيرة لمن يريد. وما أدهشني في ماليزيا وهو كثير ان أشاهد أول نفق في العالم يستخدم في وظيفتين معا حيث يبلغ طوله9 كم وتم انشاؤه عام2008 ويستخدم كنفق للسيارات ومصرف للمياه عندما يرتفع منسوب المياه في نهري كوالا وكومباك نتيجة سقوط الأمطار بغزارة يتم غلق النفق أمام السيارات وتحويله إلي مخزن للمياه حيث يتصل بالنهرين وعندما يتم انخفاض منسوب النهرين يتم تصريف المياه منه وتنظيفه وفتحه أمام حركة السيارات من جديد. ولا يمكن لزائر كوالالمبور ان يفقد زيارة المدينة المائية أكواريا أو عالم تحت البحار والذي يقع في قلب المدينة المائية ويضم10 آلاف نوع من الأسماك المختلفة وفي مقدمتها أسماك القرش بأنواعها والمدينة المائية مصممه بحيث يكون الزائر لها في القاع والاسماك تتحرك من حوله وفوقه وسط زحام شديد من السياح من جنسيات مختلفة. جوهور وعندما انتقلت من كوالالمبور إلي الجنوب وبالتحديد مدينة جوهور والتي تم اقتباس اسمها كما يتردد بين السكان من الكلمة العربية جواهر نتيجة دخول العرب بكثرة إليها اكتشفت انها تحولت إلي مركز سياحي مميز لسكان دولة سنغافورة حيث يفصل بينهما كوبري طوله500 متر فقط مما جعلها الوجهة المفضلة لدي السنغافوريين للسياحة وقضاء الاجازات بها والتمتع بمناخها المميز وشواطئها الممتدة حيث تقع جوهور علي مضيق ملاكا بين تايلاند وسنغافورة.