اتهامات متبادلة.. مشادات كلامية.. تصريحات مضادة.. مواجهات مستمرة.. شائعات تسري كالنار في الهشيم يمكن أن تأتي علي الأخضر واليابس لا نجد فيها حلا واحدا لمشكلة واحدة من تلال نغرق فيها, بل تبادل لإلقاء المسئولية بين الجميع.. صراعات لا يلبث أن ينتهي أحدها حتي يبدأ آخر أشد سخونة, بل إن بعضها قد يصل إلي حد تبادل الإهانات وليس فقط الاتهامات! ويشق كل اتهام طريقه سريعا إلي وسائل الإعلام مرئية ومقروءة لتصبح مادة دسمة للحديث, وتشتعل الفضائيات التي تتحول إلي ساحات للمناظرة وتبادل الاتهامات بين الأطراف المتصارعة, وينشغل الجميع بعيدا عن تأسيسية لا تنتهي مشكلاتها, ودستور لم يطلع علي مسودته الأولية الغالبية العظمي من الشعب برغم أنه المسئول الأول عن تحديد مصيره وتشكيل معالم مستقبله, وحكومة يتهمها البعض بالفشل برغم أنه لم يمض علي بقائها أكثر من3 أشهر. في البداية تؤكد الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن السبب الرئيسي في الصراع الذي نشهده بين النخب هو الإعلام الذي حاول تقليد بعض اللقاءات الحوارية التي كانت تقوم بها قناة الجزيرة منذ سنوات وحققت من خلالها نجاحا كبيرا وشعبية واسعة في العالم العربي, ولكن البرامج التي تقدمها بعض القنوات الخاصة تفتقد للإعداد الجيد وتحولت إلي ساحات لتبادل الاتهامات. وتري أن هدف البرامج الحوارية أصبح محصورا في كسب أكبر عدد من المشاهدين لتقديم مادة ساخنة تجذب المعلنين والمشاهدين, بل إن بعض القنوات تبحث عن الضيوف الأكثر إثارة للمشكلات لاستضافتهم, والأمر نفسه ينطبق علي الصراعات الحزبية التي انتقلت إلي الفضائيات حيث يتبادل ممثلو الأحزاب السياسية الاتهامات لجذب أكبر عدد من المشاهدين لأفكار الحزب أو التيار الذي يمثله كل منهم, مشيرة إلي أن الشو الإعلامي وأهداف البيزنس طغت علي القنوات الخاصة التي أصبحت تتجاهل بعض القضايا المهمة التي تمس قطاعا عريضا من المواطنين في مقابل التركيز علي المشاجرات الشخصية. وتتفق في الرأي الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس حيث تؤكد أن الإعلام أصبح حاليا كما لو كان ممسكا بشاكوش لتكسير الحائط المصري طوبة طوبة باستضافته لمن يمكن أن نطلق عليهم فيروسات إنسانية ممن يمتلكون أفكارا ظلامية قيامه بتلميع شخصيات ارتكبت جرائم في الماضي, وهو ما يعد خروجا علي ميثاق الشرف الإعلامي, خاصة أنه أمام هذه النماذج لا يتم تقديم أصحاب الحكمة والفكر والآراء المختلفة, مما يوقع المشاهد في حيرة من أمره, خاصة أن قطاعا كبيرا منهم يستمد قيمه وفكره ممن تتم استضافتهم بشكل مستمر. وتتساءل الدكتورة سامية خضر أين العقل الجمعي الذي يقوده الخبراء والعقلاء ممن لهم ثقل فكري ومعرفي ليمثل التوازن والضمانة للمقاومة الفكرية في خضم بحث الإعلام عن زيادة الجماهيرية, والمشاهدة, ونسيانه للمجتمع بتنوعه واختلافه. ومن جانبه يري الدكتور بركات عبدالعزيز أستاذ الإعلام ومدير مركز الرأي العام بكلية الإعلام بجامعة القاهرة أن انقسام النخبة ينعكس علي المجتمع لأن لكل منهم رأيا يقول إنه مدعم بأدلة لإقناع المواطنين به, ولأنه ليس في مقدور المواطن البسيط الوصول لهذه الأدلة يقع تحت تأثير كلام النخب وآرائهم حتي في أخطر القضايا الوطنية. ويضيف أن الاختلاف بين النخب والشخصيات العامة تحول إلي خلاف حيث يحاول كل منهم التشبث بالتوجهات السياسية التي يرونها صحيحة, مؤكدا أن دوافع الاتهامات المتبادلة تختلف من شخص لآخر حيث هناك من يظهر خلافاته بدافع المصلحة, وهناك من يبحث عن الشهرة, علاوة علي بعض النخب التي تستهدف عرقلة مسيرة المجتمع عن قصد. ويري أن ظهور النخبة هو بمثابة ظهور سلطة جديدة تقع تحت السلطة التنفيذية لا تمتلك من مقومات القوة سوي القوة المعنوية التي تحاول من خلالها التأثير علي توجهات المواطنين, كما أن بعض الشخصيات العامة تستغل الفضائيات لتصفية الحسابات, الأمر الذي تسمح به القنوات التي تسعي للحصول علي الإثارة ولو علي جثة الوطن. من جانبه يؤكد الدكتور منصور ساطور عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر سابقا أن حرب الاتهامات الفضائية هدفها المتاجرة بأفكار وعواطف المواطنين للتأثير عليهم, مشيرا إلي حالة الأنا التي باتت مسيطرة علي لغة الخطاب الإعلامي لمعظم الضيوف من النخب السياسية حيث يعتقد بعضهم أن ما يقولون لا يفقهه غيرهم. ويري أن البحث عن الشهرة أصبح هدف معظم ضيوف الفضائيات, والدليل علي ذلك الحديث عن مقال أو كتاب سابق ألفه أحدهم في إطار إحدي القضايا, وكأنه يعلن عن نفسه للمشاهدين, إلي جانب وجود أهداف مغرضة لدي البعض من خلال اختلاق بعض المشكلات رغبة في الظهور المتكرر في مختلف القنوات حتي لو أدي الأمر إلي ابتداع مشكلة من لا شيء, أو تفاقم مشكلة بسيطة إلي سلسلة طويلة من الأزمات. ويري ساطور أن أي ضيف يهوي الظهور ويريد أن يلفت الانتباه لحديثه لابد أن يستخدم طريقة الاتهامات والهجوم علي غيره, خاصة إذا كان الاتهام فلول وينتمي للنظام السابق, ويؤكد مسئولية الفضائيات عما وصلنا إليه حيث تحولت ساحاتها إلي مكلمة مستديمة تستهدف إثارة المشكلات أكثر من مناقشة حلولها, بل وسعيها وراء الشخصيات التي تفتعل الأزمات. ويحلل الدكتور محمد السيد خليل أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس ظاهرة حرب الاتهامات التي نعيشها قائلا: بعد النجاح الذي حققته الثورة في أيامها الأولي بالتخلص من رئيس الدولة السابق وإسقاط نظامه أصبحت لدي المصريين طاقة هائلة, وآمال عريضة بثتها فيهم الحالة المعنوبة والنفسية الإيجابية التي ينظرون بها للمستقبل حال تحقيق أهداف الثورة ومطالب الثوار, غير أنه مع مرور الأيام وظهور تغيرات علي السطح وعدم وجود أي حركة واضحة نحو ذلك خمدت الطاقة الكبيرة وأصبح توجيهها للطرق السلبية إما في صورة إحباطات شخصية وعامة أو في صورة حرب الاتهامات مع بعضنا بعضا. ويشير الدكتور محمد السيد خليل إلي افتقاد المجتمع المصري حاليا في حل مشكلاته إلي الموضوعية والتفكير العلمي الدقيق الذي حتي, وإن وجد فإنه يحدث متأخرا في ظل غياب الحوار والنظرة القصيرة والقاصرة من جانب كل طرف للطرف الآخر. وعن تأثير هذا المناخ وما يجري به من ظواهر سلبية علي الناحية الاقتصادية التي تعاني خللا كبيرا حاليا يؤكد الدكتور شريف قاسم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن التأثير ضار جدا لأنه يعكس حالة من حالات عدم الاستقرار الداخلي, وينتج عنه قلق للاستثمارات الجديدة التي نحن في أمس الحاجة إليها. ويطالب قاسم رئيس الجمهورية بالعمل سريعا للوصول إلي الحد الأدني من الاتفاق بين القوي المنقسمة حاليا حتي لا تتفاقم حالة التفكك المجتمعي الحادثة حاليا والتي تؤدي إلي البحث عن نقطة جديدة للاختلاف بشكل مستمر في ظل سعي الجميع للسلطة, سواء من الطرف الحاكم الذي يبغي توطيد موقفه واستمراره, أو من الأطراف الأخري التي أصبح هدفها إفشال الطرف الحاكم, والعمل علي عدم استمراره في الحكم, مؤكدا أن الحل هو ضرورة البحث عن المشتركات للخروج من النفق المظلم بدلا من الدوران في دوائر مغلقة تبدأ وتنتهي في الصراع علي السلطة فقط.