توفي المخرج الايطالي دينو ريزي صباح السبت7 يونيو2008 في روما عن عمر يناهز91 عاما. ولد ريزي في23 ديسمبر1916 في ميلانو وأصبح في خمسينات القرن الماضي احد اكبر مخرجي الأفلام الكوميدية الايطالية مع أفلام حققت نجاحا كبيرا مثل مر من اليمين والوحوش كان ريزي قد استعان في أفلامه بأسماء لامعة في السينما الايطالية في النصف الثاني من القرن العشرين علي غرار فيتوريو جاسمان والبيرتو سوردي واوجو تونياتي وصوفيا لورين ونينو منفريدي بل وحتي المخرج والممثل الكبير فيتوريو دي سيكا. ونال ريزي الأسد الذهبي خلال مهرجان البندقية عن مجمل أعماله. أشادت صحيفة لاريبوبليكا بريزي بقولها كان مع ماريو مونيتشيلي وايتوري سكولا ولويجي كومنشيني وبتروجيرمي من عمالقة الكوميديا الايطالية وكتبت جريدة لاستامبا ان ريزي أنتج أفلاما طبعت تاريخ السينما انه الملك بدون منازع.. كانت كوميديا دي ريزي هي الكوميديا السوداء التي تنقب في واقع المجتمع الإيطالي بمشرط لتكشف عيوب الشخصية الإيطالية, ويصنع تيار ما بعد الواقعية الجديدة.. تيار السينما السوداء الاجتماعية. كانت النزعة الكوميدية التي سادت التيار الذي ارتبط به اسم ريزي, تتسم بالذكاء, وكان هذا هو الفارق الأساسي الذي فصل بين سينما سياسية تعمل عبر طريق الكوميديا لمخرجين مثل( ريزي, كومشيني, بيترو جيرمي بل حتي ايتوري سكولا) لتقول ما هو فاسد ومرعب في السياسة الإيطالية, وبين سينما سياسية أخري تستخدم أيديولوجيا وحزبيا مثل سينما فرانشيسكو روزي. ومع هذا كله لم يكن هناك, في سنوات ريزي الأولي ما يشير إلي انه سيصبح سينمائيا, إذ إن هذا الفنان الذي ولد عام1916, في ميلانو, عاصمة الشمال الإيطالي البارد, كان يريد أول الأمر أن يكون طبيبا, وفي شكل أكثر تحديدا: طبيبا نفسانيا.. ونال دبلوم الدراسات العليا في هذا المجال, بالفعل. غير أن لقاء له مع سينما ماريو سولداتي ثم مع سولداتي نفسه, أقنعه بأن السينما تناسب أفكاره وتطلعاته في الحياة أكثر من العيادة النفسية. وهكذا دبر أموره بحيث نجده عام1941, مساعدا لسولداتي في فيلم العالم القديم الصغير ثم في العام التالي, نجده متعاونا مع صديقه الدائم المخرج البرتولاتوادا, في فيلمه الأولواكيم المثالي ومنذ ذلك الحين بدا واضحا ان مستقبل دينو رينري قد تحدد نهائيا حتي وان كان هربه من ايطاليا من الفاشيين خلال العام الأخير من الحرب العالمية الثانية شكل قطيعة ما له مع السينما الإيطالية. لقد هرب إلي سويسرا, غير أن ذلك لم يردعه عن مواصلة طريقه, إذ انضم هناك إلي فريق يدور من حول المخرج الفرنسي جاك فيدور ليعمل مع هذا الأخير ويتعمق في تفاعله مع تقنيات السينما الأوروبية. المهم في هذا كله أن بين السينما الايطالية, السابقة علي عهد أصحاب الواقعية الجديدة, والسينما الفرنسية ذات البعد التقني الكلاسيكي, ولد ذاك الذي سيصبح خلال عقود تالية واحدا من أكثر المخرجين الإيطاليين شعبية, وصاحب عدد كبير من أفلام أخذت علي عاتقها وان كان تدريجيا فضح كل ما هو سيئ وخبيث في السياسة والمجتمع الإيطاليين. ولكن, ليس من وجهة نظر المثقف ذي الأفكار المعقدة, إنما من وجهة نظر ابن الشعب البسيط الذي يميل دائما إلي قول الأشياء كما هي, فحين يريد ريزي أن يقدم فيلما يفضح الفاشية وأسلوب سيطرتها علي السذج, كاشفا آليات عمل تلك الأيديولوجية الخطرة علي الشعب لم يكن يحتاج, مثلا, إلي أكثر من أن يضع علي الشاشة صورة تلك المسيرة الهائلة إلي روما, والتي لعبت, عام1920, دورا أساسيا في تثبيت حكم موسوليني, حدث ذلك في فيلم المسيرة إلي روما(1962) الذي يعتبر من أكثر أفلام ريزي قوة وشعبية والمسمار الذي دق في نعش الفاشية الإيطالية, وان أخذنا هذا الفيلم مثالا, يمكننا أن نتابع بحيث نستعرض معظم أفلام ريزي, التي من خلال استخدام النجوم الكبار, متجمعين أو متفرقين, ومن خلال سيناريوهات بسيطة وخطية, وحوارات مباشرة ترتبط كليا بتعمق ريزي السيكولوجي في دراسة شخصيات أفلامه أتت دائما لتقول كل ما كان لفنان تقدمي مثل ريزي أن يقوله, حول الماضي.. ولكن كي يصل إلي الحاضر أيضا. فالحال أن ريزي, ورفاقه, حين كانوا, خلال سنوات الستين ثم السبعين وحتي الثمانين من القرن العشرين, يحققون تلك الأفلام الشعبية الفاضحة غالبا لصعود الفاشية وعملها الفعال علي الأذهان البسيطة, أو عبر تلك الأفلام المتحدثة عن التواطؤ بين رجال الدين ورجال السلطة, وعن فساد أصحاب رأس المال وجشعهم, أو عن تفكك الحياة العائلية أو فقدان القيم, لم يكن همهم محاكمة الماضي بقبدر ما كان التنبيه إلي ما يحدث وسط مجتمع كانت ولا تزال قوي فاشية تنخر فيه استعدادا لوراثة الديمقراطية المسيحية التي كانت تهيمن علي ايطاليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, خالقة أرضا خصبة لولادة الفاشية الجديدة عبر استعادة الفاشية القديمة وهو ما حدث بالفعل في النهاية مع عصر بيرلسكوني كان هذا ما يريد ريزي وأصحابه قوله والتنبيه إليه. طبعا, لن نقول هنا ان هذا الهم يهيمن علي كل سينما دينو ريزي. فالرجل حقق طوال مساره المهني الممتد بين1941 و2002 حين حقق عمله الأخير صبايا ملكة جمال ايطاليا عشرات الأفلام. ومعظم هذه الأفلام أتي ترفيهيا خالصا, محققا لمنتجيه أرباح كبيرة. ولكن في خضم ذلك حقق ريزي نحو عشرات الأفلام التي تستحق بالفعل أن تدخل بقوة في تاريخ السينما الإيطالية المميزة, حتي وإن كان من الصعب وضع ريزي أو حتي أي واحد آخر من رفاقه من أصحاب الكوميديا السياسية باستثناء ايتوري سكولا في خانة أصحاب الصف الأول في السينما الإيطالية مثل: انطونيوني, فيسكونتي أو فيلليني. ومع هذا تستوقفنا دائما, بالتأكيد أفلام تعد علامات, تحمل توقيع صاحب المسيرة الي روما مثل: الوحوش(1963) والوحوش الجدد و باسم الشعب الإيطالي(1971) الذي دنا فيه المخرج من مسألة القضاء وعلاقته بالمضاربات العقارية, وخطف علي الطريقة الإيطالية(1972) ثم رائعته عطر امرأة(1974) وهو الفيلم الذي تمت إعادته فيما بعد من خلال فيلم امريكي لعب فيه آل باتشينو, دور الأعمي الذي كان قد لعبه فيتوريو جاسمان في فيلم ريزي, وفيلم نفوس ضائعة(1975) وغرفة القسيس(1976) وشبح الحب(1981) والملك الطيب داجوبير1984 ومجنون الحرب1985( أحد أقوي أفلام ريزي وأجملها) وفالس الحب1990 مع الممثلة الفرنسية رومي شنيدر. هذا المخرج المميز ضمن تيار السينما الكوميدية الإيطالية الشهير الذي كان المعادل الموضوعي للسينما الكوميدية الأمريكية المعادية في زمن الحرب الباردة والتي لمع فيها المخرج بيلي ويلدر. [email protected]