وصلت مع الصواريخ التي سقطت علي القدس وتل أبيب رسالة تقول إن الأمن لا يقوم علي الغصب. وأمام إسرائيل أن تتصرف في مواجهة الرسالة بطريقتين: الطريقة المعتادة. وهي فرض ما تريد بالقوة أو الاقتناع بأن الدنيا تغيرت مع ثورات الربيع العربي وصعود إيران العسكري وتطلع تركيا للاستفادة من الماضي في تحقيق مكانة إقليمية في الحاضر. وإذا أقرت إسرائيل الاختيار الأول فإنها ستضع المنطقة كلها علي حافة خطر يمكن أن يصبح واقعا ماثلا إذا وقعت سلسلة تفاعلات عسكرية واجتماعية في المنطقة مع اجتياح إسرائيلي جديد أوسع نطاقا لقطاع غزة. والحقيقة أن موقف مصر سيكون صعبا في مثل تلك الحالة التي يمكن أن يكون من معالمها محاولة إسرائيلية لدفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين خارج قطاع غزة صوب سيناء بالطريقة التي حدثت لفلسطينيين آخرين في حرب عام1948 وكذلك في حرب عام1967 في الضفة الغربية. وإذا حدث ذلك فإن رد الفعل الشعبي الثوري في مصر يمكن أن يكون حادا لدرجة اندفاع ألوف الشبان المصريين إلي سيناء- ولو بأقل تسلح- للدفاع عن حرية بلادهم واستقلالها. وإذا حدث ذلك يمكن أن يجد حزب الله إغراء له فيفتح جبهة ثانية بقصف إسرائيل بالصواريخ من الشمال. بل إن من الممكن أن تري إيران في الأمر فرصة لإنهاك إسرائيل لأقصي الحدود وأن تري سوريا في هجوم تشنه علي إسرائيل نقلا للمعركة التي تستنزفها في الداخل إلي جبهة في الخارج. ومن المؤكد أن ذلك يوضح السيولة السياسية والاستراتيجية القائمة في المنطقة, وما تمثله من خطورة لا حدود لها علي دولها. ويفسر ذلك الجهود التي تبذلها مصر لعقد هدنة طويلة المدي بين غزة وإسرائيل.