قليلون اولئك الذين عاشوا حياتهم في ظلال القرآن الكريم يتتبعون أسراره ويحاولون تدبر معانيه ويجاهدون في الوصول الي تفسير آياته ومعانيه ولكن تبقي حلاوته وطلاوته علوا في المقام والمقامة لايعلو عليه انسانيعد الزمخشري واحدا ممن وضعوا لانفسهم معالم واضحة وملامح محددة في مدرسة تفسير القرآن الكريم ومن خلال تلك الملامح وهذه المعالم تمكن من صياغة ما قاده إليه تعمقه في كتاب الله ليترك كتابا قل ان تجد مفسرا للقرآن إلا ووضع يده عليه. وقد ولد ابوالقاسم بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري, في قرية زمخشر في خوارزم بايران في السابع والعشروين من شهر رجب عام467 ه1074 لاسرة تقية وورعة وكان والده يعمل إماما درس في بخاري وسمرقند ثم انتقل إلي بغداد ليجاور كبار العلماء وتنقل بين بغداد ونيسابور ثم انتقل إلي مكة ولقب جار الله لمجاورته مكةالمكرمة عدة اعوام وامام الأمة لمكانته العالية في التعمق في علوم التفسير والحديث والفقه والادب والبلاغة والنحو وبالرغم من انه كان فارسيا إلا انه حب اللغة العربية وتفوق في فنونها وآمن بها وكان له العديد من المؤلفات فيها إلي جانب مؤلفاته الفارسية. تتلمذ علي يد جهابذة الشيوخ والعلماء امثال أبومضر محمود بن جرير الضبي الاصبهاني وابومنصور نصر الحارس, ابوالخطاب بن البطر. تميز الامام الزمخشري باقتناص التوجيهات البلاغية في القرآن الكريم بعبارة دقيقة ورشيقة وقد لايدرك مقصودها بعض طلبة العلم المتخصصين, واختار لمقاماته موضوعا واحدا كرره في كل مقاماته وهو الوعظ والحكمة, وحافظ علي الشكل التقليدي للمقامة التي جاء فيها بالمحسنات البديعية وابرزها السجع. من أشهر مؤلفاته كتاب التفسير الكشاف عن حقائق غوائض التنزيل وعيون الأقاويل في جوة التأويل فأظهر فيه قيمة لم يسبقه اليها احد من وجوه الاعجاز في آية من القرآن وما اظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلاغته وبرع فيه لالمامه بلغة العرب وفنونها. الذي قال عنه ان التفاسير في الدنيا بلا عدد وليس فيها لعمري مثل كشافي, ان كنت تبغي الهدي فالزم قراءته فالجهل كالداء والكشاف كالشافي, وكتاب علم البيان وعلم المعني, ورسالة في اعجاز سورة الكوثر, والمنهاج في اصول الدين والمقامات وربيع الابرار واطواق الذهب في المواعظ والحكم. كان لثقافة الزمخشري تأثير علي بيئته الاجتماعية والسياسية في ثقافته مما كان الأثر الكبير والفاعل في توجيهه العلمي الذي سمح له بالمام العديد من علوم اللغة والتفسير والحديث والادب اعتلي بها مكانة مرموقة بين العلماء والفقهاء, اشاد بمكانته العلمية ابن خلكان فذكره بالامام الكبير في التفسير وعلم البيان والحديث والنحو وانه امام عصره من غير مدافعة.. وذكره بانه اعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه قال عنه الشيخ السيوطي استاذ الدنيا فخر خوارزم جار الله, وذكر بانه واسع العلم كثير الفضل غاية في الذكاء وجودة القريحة. وانتصر الزمخشري في تفسيره للاعتزال, فشرحه في ظل الاصول الخمسة للمعتزلة: العدد التوحيد الوعد والوعيد المنزلة بين منزلتين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أفكاره التي يمكن ملاحظتها في الكثير من المواقع في تفسيرها, انتصر لرأي المعتزلة في اصحاب الكبائر: بأنهم كفار مخلدون في النار إن لم يقلعوا عن الذنب ويتوبوا, وانتصاره لرأي المعتزلة في الحسن والقبح العقليين, فهم يعتقدون أن العقل السليم قادر علي تحديد القبح والحسن. ورصد مؤرخو انتصار الزمخشري لرأي المعتزلة في السحر: فالمعتزلة ينفون السحر والسحرة ولا يؤمنون بهما, من ناحية تغيير طبيعة المواد لذا نجد أنه يستهزئ ويسخر بأهل السنة القائلين بقدرة السحر علي تغيير طبيعة المواد وانتصاره لرأي المعتزلة في حرية الارادة وايجاد العباد لأفعالهم لاستحقاق الوعد أو الوعيد من الله عز وجل. ومن تلاميذ الامام الزمخشري أبوالمحاسن عبدالرحيم بن عبدالله البزاز, وأبوعمر عامر بن الحسن السمسار, وأبوطاهر سامان بن عبدالملك, وقد توفي الشيخ الزمخشري رحمه الله ليلة عرفة عام835 ه3411 م بجرجانية خوارزم.