بداية لابد من أن نسجل انه رغم العبارات الحادة التي انتقد بها الخصوم إدارة أوباما لأدائها المرتبك بشأن الهجوم علي القنصلية الأمريكية في بنغازي وتعاملها مع قضايا الشرق الأوسط. فإنه من المستبعد أن تلعب قضايا السياسة الخارجية, رغم النقاش الذي أثير, دورا كبيرا في السباق الانتخابي ويرجع المحللون سبب غياب الاهتمام الأمريكي الكبير بقضايا السياسة الخارجية إلي جملة من الأسباب والعوامل, أولها ما يشعر به الناخبون الأمريكيون حاليا من وطأة الانشغالات الداخلية, وخوض أمريكا لأطول حرب لها علي الإطلاق في أفغانستان. * فرغم تأهب قوات الحلفاء ومعها الجنود الأمريكيون للانسحاب من أفغانستان بحلول عام2014, فإن النتيجة النهائية لن تكون بأي حال من الأحوال ذلك النصر المؤزر الذي كان يطمح له الغرب والواقع أن الحرب في أفغانستان لم تفض إلي نصر استراتيجي للغرب علي غرار الثامن من شهر مايو عام1945 عندما انتصرت قوات الحلفاء علي ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية وأرغمتها علي الاستسلام, أو مثلما حصل في14 أغسطس من السنة نفسها عندما استسلمت اليابان, حينها تداعت أمريكا كلها لاحتفالات صاخبة تمجيدا للنصر ولانتهاء الحرب نهاية واضحة, لكن أغلب الأمريكيين اليوم غير منخرطين بصورة مباشرة في الحرب علي غرار ما كان عليه آباؤهم في الحرب العالمية الثانية, ولم يعانوا ما عانوه وقتها من فقدان أقارب لهم في الحرب وخسارة أعزائهم, ذلك أن الجنود الأمريكيين في أفغانستان هم من المحترفين الذين تطوعوا في الجيش ومن ثم أرسلوا إلي أفغانستان خلافا للتجنيد الإجباري الذي ظل معمولا به في أمريكا حتي حرب فيتنام, وما لم يكن أحدهم يعيش بالقرب من قاعدة عسكرية فإن أغلب الأمريكيين لا يشعرون بوطأة الحرب ولا بثقلها علي حياتهم وتأثيرها المباشر علي معيشتهم. ومن المهم التذكير أيضا في هذا السياق أن إجمالي سكان أمريكا في عام1945 لم يكن يتجاوز140 مليون نسمة, شارك منهم13 مليونا في الحرب العالمية الثانية, أما اليوم فتعداد السكان يصل إلي330 مليون نسمة, وبمقاييس اليوم شارك حوالي30 مليون نسمة في الحرب العالمية الثانية, والحال أن الجنود الأمريكيين في أفغانستان لا يتعدي قوامهم70 ألف جندي علاوة علي المغامرة الأمريكية في العراق التي انتهت بتسليمه للنفوذ الايراني وخفوت شعلة الديمقراطية المرجوة التي كانت سبب إعلان الحرب عليه. لكن أخطر أخطاء الإدارة الأمريكية في تلك اللحظات الحرجة التي افتقرت فيها إلي الحسم, وتجاهلت التعقيدات, واعتمدت علي التحليل الخاطئ في المسألة السورية وانتقادات رومني لأوباما ركزت بشكل كبير علي القضية السورية, فهو يري أن الادارة الأمريكية لم تبذل جهدا لمساعدة المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولكنها علي العكس عملت علي تقليص الامدادات للمعارضة أن رومني لم يتعهد رسميا بإمداد المعارضة بالأسلحة, ولكنه كان واضحا عندما تحدث عن أن إدارته ستعمل مع شركائها الدوليين من أجل وصول الأسلحة إلي أيدي المعارضة التي يجب تسليحها بشكل كاف لمواجهة دبابات وطائرات الأسد. والواقع أن تلك الادارة تفتقر إلي استراتيجية متماسكة في المسألة السورية ويسودها التخبط والارتباك, فعلي الرغم من أن الإدارة قالت مرارا وتكرارا إن سقوط الأسد قد بات حتميا, إلا أنها رفضت بذل جهد لتحقيق ذلك السقوط, وفي غضون ذلك لقي عشرات الآلاف من السوريين وغيرهم مصرعهم, وامتد عدم الاستقرار والعنف إلي لبنان والأردن وبصرف النظر عما إذا كان سيتم انتخاب ميت رومني أو بارك أوباما اليوم يقدم وصول الإدارة المقبلة فرصة لتغيير السياسة الأمريكية حيال سوريا ويجب أن تقوم الخطوة الأولي علي وضع حد للاعتراض غير المبرر علي تسليح السوري الحر والخطوة الثانية ان تطبق مبادرة دبلوماسية قائمة علي التوصل إلي توافق عربي لدعم فرض منطقة حظر جوي لمراقبة الأراضي التي تحررت من الأسد شمالي سوريا. ويري معظم المحللين الامريكيين أن وضع حد لنظام الأسد يجب ألا يكون قرارا صعبا, حيث إن الدكتاتور لم يكتف بقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في الداخل, بل قوض المصالح الأمريكية في لبنان وإسرائيل وكان مسئولا عن مقتل مئات الجنود الأمريكيين في العراق بين عامي2003 و2009 فضلا عن ذلك, قد يشكل سقوط الأسد هزيمة للنظام الثيوقراطي في طهران وسيعكس الدعم العسكري للثورة السورية الاهتمامات الإنسانية والمصالح الاستراتيجية الأمريكية.