أقول مرارا وتكرارا إن مشكلات البلد أكبر وأضخم من أن يحلها "رئيس" أو تنسفها "حكومة" ؛ لأن العبرة ليست بتغيير الأسماء وتبديل الكراسي ، وإنما بتوافر الإرادة وتنوع الرؤي ، وإفساح الطريق أمام أصحاب الخبرات والكفاءات ، من ذوي السمعة الطيبة . بمعني آخر ، أعتقد أن النية وحدها لا تكفي ، فمعلوم أن أرض جهنم – كما يقال- مفروشة بالنيات الحسنة ، وأن الأفعال هي المعيار الأساس والمحك الرئيس للتقييم ، وما دون ذلك فلا أحسبه إلا تخبطا ، أو استهلاكا متعمدا للوقت وضحكا علي الذقون ، وبالتالي إعادة إنتاج لأنماط قديمة ، كرهها الناس ، وتجاوزتها الأحداث ، وطواها الزمن في ذاكرة النسيان . أتفق تماما مع من يرون أن التقييم السليم يستلزم وقتا كافيا وصبرا معقولا .. بالطبع هذا كلام منطقي ، لكن أيضا أتصور أنه يتعين أن تكون هناك "عزيمة" بارزة ، و"منهج" واضح ، و"طرق وأساليب" محددة ، ومن ثم تتجلي ، في خلال السير في التنفيذ والتطبيق ، الشواهد و"الأمارات" ، التي قد تعطي "مؤشرات" مبدئية ، "دالة" بدرجة مقبولة ، علي إيجابية معدلات الأداء . لست من هواة التشكيك ولا من أنصار "التقطيم" وتكسير المجاديف ، غير أنني مقتنع بأن تسارع الوقت لا يمهلنا ، ورتابة الإيقاع لا تروقنا ، ومحكمة التاريخ لن تفلتنا أو ترحمنا ، إذا نحن تلاعبنا ، أو حتي تراخينا ، أو ارتبكنا وتعثرنا ، ولو بحسن نية .. لا أتمني أن نأكل طعاما نيئا أو "مسلوقا" ، ولكن أنتظر أن ننفخ في النار ، لنرفع حرارة الوقود ، فنظفر بأكل ناضج ، بدرجة مستساغة و"مبلوعة". والمقصود أن نشحذ الهمم ، ونلهب الحماس ونشد المئزر، بشرط أن نضرب المثل ونحقق القدوة ، ونثبت لأنفسنا قبل الآخرين ، أننا لسنا طلاب سلطة ، وإنما دعاة إصلاح ، ورسل سلام وأمان وازدهار واستقرار.. ولا يمكن أن يتحقق هذا وذاك ، سوي بمشاركة مجتمعية فعلية ، تعلي من شأن المصلحة الوطنية ، وتقصي الأنانية ، وتطرد نزعات الانفرادية ، واحتكار أي شيء وكل شيء ، تحت لافتات دعاوي ومزاعم وهمية . أدرك جيدا ، أن إرضاء الجميع مسألة شبه مستحيلة ، لكن إعمال الضمير وإخلاص العمل أمر لازم وواجب ، سوف نحاسب عليه حسابا عسيرا ، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة .. ولنتمثل قول الفاروق عمر ابن الخطاب : " لو عثرت بغلة في العراق ، لسألني الله عنها ، لما لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟!" ولنضع نصب أعيننا قوله سبحانه : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ، ُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281] ولننتبه إلي قول الله : "قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم" [الواقعة:50] يوم تتكشف فيه الحقائق والأستار.. وقوله جل وعلا : "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" [الحاقة:18].. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". وأخيرا .. اللهم لاتجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا !