في حوار عن قضية الترجمة وما هي معوقات عملها وآليات النهوض بها ظهر أن إثارة بعض القضايا في غير سياق الوطن سيؤدي إلي معالجة مبتورة ولن تفضي إلي أي تنمية, ذلك لأن قضية الوطن الأولي هي إيجاد هدف قومي يلتف حوله أغلب الغالبية من رأس الدولة إلي أصغر فرد في الأسرة. ورغم غرابة الاستنتاج إلا أن المعالجة الموضوعية لقضايا الوطن تفضي إلي أنه في غياب ذلك الهدف القومي بإسقاطاته علي مختلف أركان وجزئيات المجتمع سوف يفضي إلي عشوائية التوجه رغم اجتهاد البعض في العديد من المواقع الا ان ذلك الاجتهاد سوف ينحصر في رؤية شخصية لا ترقي إلي مستوي رؤية مشروع الوطن ككل. وبالمثال يتضح المقال. في توجهنا كدولة صناعية فالأولوية للصناعات المختلفة ومنها الاحلال محل الواردات والهندسة العكسية والبراءات غير متغافلين عن الزراعة والدفاع والسياحة والخدمات وغيرها من أوجه النشاط المجتمعي, بخلاف توجهنا كدولة زراعية حيث الأولوية لاستصلاح الأراضي وللهندسة الزراعية وللصناعة والدفاع وغيرها من المناشط, وبالتالي لانستطيع ان نضع أي قضية في موضعها وبثقلها الصحيح الا من خلال تحديد هدف قومي وإسقاطه علي مختلف بني المجتمع ومؤسساته. القضية تحتاج إلي رؤية ثاقبة لمنظومة متكاملة تصب في بنية الوطن. ورغم وجود حكومة مستقرة منذ فترة إلا أن أذرعها لاتتناغم مع بعضها وكأنها جزرت منعزلة لا علاقة لها ببرنامج الحزب وبرنامج الرئيس الذي يحكم رؤية الحكومة كما صرح بذلك رئيس الوزراء. صحيح أن مختلف الرؤي تشترك في بعض التوجهات الا ان ثقلها النسبي في منظومة التنمية يختلف تبعا لوضعها. ولنأخذ قضية الترجمة كمثال لتلك القضايا فما من مجتمع ناهض إلا ويمر من بوابة الترجمة ولكن ماذا نترجم؟ صحيح أن الترجمة ككل مهمة بمختلف اتجاهاتها الا ان الوزن النسبي لمختلف افرع العلوم والآداب داخل قضية الترجمة محدد كبير للعمل تبعا لتوجهنا الاساسي. القضية باختصار تبدأ من هدف قومي وهذا ماتتطلبه هندسة المجتمع التي تبدأ من هدف تسقطه علي مختلف المؤسسات والهيئات والخطط لتنتج أدق تفاصيل العمل التنموي. لقد بتنا في غياب أي خطة للنهضة صرعي صراعات السلطة التي لايري فيها الغالبية الا انفسهم. إن وجود هدف قومي معلن شفاف يستحق ان يكون قاطرة للوطن لينهض به خلال سنوات تعد علي أصابع اليد الواحدة سوف يجذب حوله مختلف المخلصين للوطن وسوف يدفع الوطن للأمام ويستقطب المترددين الذين بدأوا في التفلت من منظومة العمل الوطني متململين من سوء الواقع وغشم الأعذار التي تركز في مجملها علي الجميع بان يعمل كي نحصل علي تنمية. هذا الوهم لو صح لكنا دولة متقدمة في ظل النظام السابق. لا تنفع طهارة الأفراد القائمين علي الشأن العام فقط بل لابد من طهارة النظام الذي لم يتغير وكيف يتغير بدافع ذاتي, فالوهم فقط هو الذي يتغير بدافع ذاتي. ولندرس تاريخ تطور الشعوب وحاضرها لنعلم ان بدايات النهضة لابد لها من قاطرة وقدوة ونحن في مسيرتنا الحالية لم نجد القاطرة ذات المشروع القومي ولا القدوة التي تسلك ذلك المشروع كما يشير البعض الي تبخر مشاريع النهضة التي عاش البعض يأمل فيها ليتخيلوا عودة الحزب المنحل بعباءة اخري وهو امر جد خطير لأن الجماهير التي دعمت توجها معينا في مقابل الفساد سوف لا تتسامح مع أي توجه اخر يفضي الي عدم التنمية وإلي الاستدانة وإلي ما لا يحمد عقباه. وأكاد أجزم بأن تلك الملايين حين تنفض عنها تلك النخبة التي اختارتها بمحض ارادتها سوف تنفض عنها عباءة تلك النخبة حين تكفر بما أسدوه للوطن من تخاذل وتكاسل وتباطؤ وهي مكونات ومحفزات للفساد ولكن بطعم ورائحة مختلفين! القضية جد لا هزل فيها فظلام النفق لا ينبئ عن ضوء في نهايته! إن مختلف قضايا الوطن باتت محل جدال بدءا من الأمن الي الوقود الي الغذاء الي الي... فكيف لنا ان نقيم مجتمعا املنا ومازلنا نأمل في كونه مجتمعا افضل. رابط دائم :