وكأنه مكتوب علينا ان نتجرع كأس الحزن والعذاب مرات ومرات كل يوم علي تلك الأرواح التي تذهب سدي دون ذنب اقترفته أو جريرة.. وكأنه مكتوب علينا ان نكون علي موعد مع الحزن قبل قدوم عيد الأضحي المبارك.. المؤلم ان أرواح تلك الضحايا تذهب نتيجة إهمال أو اخطاء كان يمكن تلافيها ومادام حذرنا من كوارث الطرق وما تحصده من أرواح, وماينتج عنها من خراب يلقي بظلاله علي العديد من الأسر الفقيرة التي لاتعلم مصيرها عندما تنحشر داخل علب الموت فتارة تفقد الأسر عائلها, وتصبح بعد ذلك مشردة جراء فقدان العائل سواء الأب أو الأخ, وتارة تطيح علب الموت باحلام الشباب, ولعل هذا الحادث البشع الذي راح ضحيته12 من أهالي نجع عمران بقرية الكولة بسوهاج لهو خير دليل علي ان أرواح الضحايا مازالت ترفرف علي موقع الحادث مطالبة بان نتوقف عن الأهمال, وتصرخ بشدة ان حوادث الطرق أصبحت كارثة تهدد كيان الحياة الاجتماعية في مصر, وذلك بعدما ارتفع عدد ضحايا حوادث الطرق إلي أكثر مما دفعته مصر في كل حروبها. في موكب جنائزي مهيب شيع أهالي نجع عمران جثث ضحايا حادث دشنا الذي راح ضحيته12 من عائلة واحدة اثناء ذهابهم لزيارة ثلاثة من اقاربهم بسجن قنا العمومي, حيث امتد الطريق بسواد طويلا لاينتهي أمام الرجال المحتشدين الذين تجاوز عددهم العشرون ألف مشيع إلي طريق المقابر يحملون جثامين موتاهم علي أكتافهم وأعناقهم, وتطوع بعضهم بحمل الكشافات لتضيء للسائرين مواضع اقدامهم. كان الحدث جللا والوجوم والصمت والدموع المنحدرة علي وجوه حفر التعب معالمه عليها واضحة جلية في المشهد المأساوي. كان السائرون يتدافعون وتتحوك ارجلهم بدون توقف في آلية لا تهدأ. كان الجميع يفكر في آن واحد انه لأول مرة يدفن أهالي نجع عمران بقرية الكولة في مركز أخميم بسوهاج11 جثمانا من أسرة واحدة وفي مدفن واحد وكان الكل يستحضر في ذهنه مشهد7 من الأطفال وهم يحملون لحدهم الآن كيف كانوا يتراقصون مبكرا ويبكون قبلها ويصرون علي الذهاب مع ذويهم إلي اقاربهم الذين اشتاقوا لرؤيتهم بالسجن, وفي النهاية رضخ الكبار واصطحبوا أطفالهم في رحلة الهلاك. لينتهي بهم الحال غرقي في احضان اقاربهم يصارعون الموت في قاع ترعة الكلابية بعد انقلاب حافلتهم بسبب السرعة الجنونية لينفذ القدر وتلفظ الأنفاس. ترحم الأهالي علي الضحايا غير مصدقين ولكن عزاءهم الوحيد هو أن جميع المتوفين من البسطاء الذين لايحمل لهم احد بالقرية أي غضاضة أو غلا وحقدا, إلا أنهم لم يستطيعوا اخفاء سخطهم وغضبهم لتجاهل المسئولين بسوهاج لمصابهم الأليم ولم يعزوهم ولم تصرف أي تعويضات للموتي ويكفي أنه كادت تحدث كارثة أخري بسبب عدم وجود أي إنارة بطريق المقابر والمنطقة كلها كانت في ظلام تام. وكانت سيارة ملاكي انقلبت علي الطريق الزراعي أمام احدي قري مركز دشنا واستقرت بمياه ترعة الكلابية بمستقليها وهرول العشرات من أهالي القرية المتاخمة لموقع الحادث في محاولة منهم لانقاذ مستقلي السيارة الذين بلغوا16 شخصا وجميعهم من عائلة واحدة أصيبوا في الحادث, بينما كان الضحية12 بينهم7 أطفال. انتقل اللواءان عادل لبيب محافظ قنا وإبراهيم صابر مساعد وزير الداخلية للأمن العام لمنطقة جنوب الصعيد فور علمهما بالحادث وأشرف علي نقل المصابين لمستشفي دشنا العام, كما قرر المحافظ صرف40 ألف جنيه لأسر الضحايا. وكان اللواء صلاح فريد مدير أمن قنا, قد تلقي اخطارا من العميد أحمد عبدالغفار مدير المباحث بانقلاب السيارة رقم51683 ملاكي سوهاج قيادة رمضان عبدالرحمن أحمد مهران القادمة من مركز أخميم إلي قنا بترعة الكلابية أمام قرية الصبريات التابعة لمركز دشنا. انتقل علي الفور المقدم معتز إسماعيل رئيس مباحث دشنا ومعاونه الرائد محمد رمزي وتبين لهما ان انقلاب السيارة نتيجة السرعة الجنونية ومحاولة قائدها مفاداة سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس له, ولم يتمكن من السيطرة علي عجلة القيادة مما اسفر عن انفجار الإطار الأيمن الامامي للسيارة وانقلابها علي الطريق واستقرارها بمياه الترعة, واسفر ذلك عن مصرع كل من حمادة فتوح أحمد(26 سنة) واشقائه رانيا(20 سنة) ومحمود(4 سنوات) وعلي(3 سنوات) وعبدالرحمن يبلغ عامين من عمره, وصفاء سلمي محمد(24 سنة) ومحمد طه علي(27 سنة) وغادة حمدون محمد تبلغ شهرين من العمر ومصطفي أحمد محمد(6 سنوات) واشقائه راية(3 سنوات) وسيد(5 سنوات) ويوسف(4 سنوات), بينما اصيب في الحادث الأليم قائد السيارة وكل من محمد سلمي(20 سنة) وجمال جامع(36 سنة) وأحمد فتوح(45 سنة), تم نقل جميع ضحايا الحادث والمصابين إلي المستشفي العام بدشنا. وصرح محمد نجاتي مدير النيابة بدفن جثث الضحايا والتحفظ علي قائد السيارة لحين الانتهاء من سماع أقواله.