من العلمين إلي السلوم مرورا بسيدي عبد الرحمن وغزالة والضبعة ودلال وفوكة ورأس الحكمة وكراولة وسبلة ومطروح وسيدي براني تتكون المنطقة الغربية في مصر. ظلم وتهميش وألغام ونظرة أمنية لأبنائها, بعض مما عانوه في ظل النظام السابق.. فوضي وانفلات وتهريب أسلحة وسيارات واشتباكات واقتحامات بعض مما يعيشونه حاليا. الأهرام المسائي كانت هناك ترصد بعضا من هذا وذاك وملامح من واقع ينذر بخطر أن لم يتم التعامل معه وكانت البداية بالضبعة والعلمين. 31 عاما هي عمر الحكاية مابين حلم يراود المصريين بدخول بلدهم السباق العالمي للقوة بامتلاك الطاقة النووية وكابوس عاش فيه أهالي الضبعة بقي الصراع مكتوما لايدري به الا من اقترب من الواقع هناك. هناك.. في الضبعة علي الساحل الشمالي وسط المنطقة الغربية بمصر ظل الاسم مقترنا بالحلم والكابوس في آن واحد... حلم المحطة النووية عند المصريين الذي لم يكن سوي سور أحمر يلف أراضي فضاء عند أهالي الضبعة... هكذا كانوا يسمونه السور الأحمر. لا أدري لماذا يظل هذا الاقتران ملاصقا لمشروعات مصر العملاقة؟ ولنا في السد العالي العبرة فبينما يتغني المصريون علي مدي اكثر من نصف قرن بالمشروع التنموي العملاققولنا هنبني وادي احنا بنينا السد العالي تأتي غضبة المصريين من أهالي النوبة عقب25 يناير مدوية لتعلن اهات ظلت مكتومة سنوات تحكي عن الام التهجير وحلم العودة ومظالم ذاقوها في سبيل مشروع مصر المائي السد العالي ولايزال الصراع مع الدولة قائما حتي البت في مطالبهم ولايريد أحد أن يحدث لأهالي الضبعة ماحدث للمصريين في النوبة. وجه التشابه موجود في كثير من التفاصيل الخاصة بالمشروعين الا أن اختلافا جوهريا يتعلق بالضبعة فالغصة لم تقتصر علي حلوق اهالي الضبعة فقط وانما امتدت الي المصريين جميعا بعد ان وجدوا أن الحلم صار سرابا وأن ماحلموا به فيما يزيد علي30 عاما لم يراوح مجرد حلم استيقظوا منه علي كابوس الصراع بين المصريين في الضبعة وبين قوات الجيش انتهي بهدم السور الأحمر. حكاية السور الأحمر علمنا بها للمرة الأولي عندما قررنا زيارة المنطقة الغربية في مصر والتي تبدأ من العلمين حتي السلوم مرورا بسيدي عبد الرحمن وغزالة وفوكة ورأس الحكمة وسبلة ومطروح وسيدي براني لرصد أحوالها والتعرف علي مشكلات أهلها وبالفعل تمت زيارتان ورغم أن الوجهة في المرتين قصد منها أن تكون البداية بمدينة العلمين الا ان تدابير الأمور دائما ماكانت ترغمنا علي ان تكون البداية من الضبعة وكان اعتصام الإهالي بجانب سور المحطة النووية هو تدبير الأمور في المرة الأولي. وما أن وصلنا هناك حتي التفوا حولنا رافعين مطالبهم وأسباب اعتصامهم وبمجرد ذكرنا لمصطلح محطة الطاقة النووية وكيف أنها حلم يتمني تحقيقه المصريون جميعا حتي علت الأصوات تقول النظام السابق ضحك عليكم يامصريين... ليست محطة ولكنها مجرد سور أحمر وحتي عام2003 كان هناك أهالي يعيشون داخلها حتي صدر قرار محافظ مطروح باخلاء المنازل تمهيدا لهدمها وأيضا بعدها لم يتم بناء شيء... وبمجرد ان ابدينا دهشتنا بادر فايز رشوان أحد الأهالي قائلا30 سنة وحاشية النظام السابق يسرقون الدولة وينهبونها ومايسمونه مشروع الضبعة لم يكن سوي عملية نصب من شلة نصابين لم ينشئوا سوي سور حول الأراضي التي أخذوها من الأهالي بطول15 كيلو مترا وعرض7 كيلو مترات كانت مليئة بأشجار التين والزيتون ولايوجد مما يسمونه مشروعا نوويا سوي كلام علي الورق وموظفين يحصلون علي مرتبات نظير توقيع للحضور والانصراف في الدفاتر فقط ومعظمهم من خارج المحافظة وليس من بينهم أبناء الضبعة أو القري القريبة رغم أنهم أخذوا أراضينا ولم يعوضونا منذ1981 وحتي1997. عن التعويضات ومآساتها يحكي فوزي عبد الله كنا نمتلك أكثر من10 أفدنة ولم نحصل سوي علي500 جنيه عن الشجر الذي كان موجودا واستكمل خميس مراد قائلا نمتلك مايزيد علي ال50 فدانا بجانب البيت الذي كنا نسكنه وتم تقدير تعويضنا عنهما وقتها ب3000 جنيه عن الأرض و7000 جنيه عن الشجر الا أننا لم نحصل علي شيء الا بعدها بسنوات رغم أنه في عام2003 تم طرد بقية الناس من بيوتهم ولم يتم تسكينهم وأقاموا في خيم للايواء حتي استأجروا بيوتا وعملوا في المراعي والأشغال اليدوية الصعبة في حين ظللنا طوال هذه السنوات نسمع تصريحات المسئولين عن المحطة التي لم تنشأ ونسمع بجانبها أيضا عن حكايات فساد من بينها أن الأرض تم تقسيمها بين جمال مبارك وأحمد عز وغيرهما من رجال النظام السابق ليخوفونا من الأقتراب من الأرض التي استباحها الموظفون واستخدموها مصيفا خاصا لهم ولأسرهم. سألنا باندهاش يعني اللي احنا فاكرينها محطة نووية كانت مصيفا خاصا!! في الزيارة الثانية وبعد هدم السور ذهبنا ورغم ان المكان الذي اتفق معنا دليلنا في الزيارة عليه كان نفس المكان الأول للاعتصام الا اننا لم نستطع التأكد منه لتغير معالم المكان لنكتشف اننا نقف امام أرض فضاء واسعة كان يحيط بها السور من الخارج وبسؤال مستور أبو شكارة أحد المواطنين قال هي بالفعل أرض لكنها ليست فضاء حيث لايزال بقايا من شجر الزيتون والنخيل وثلاثة بيوت لم تهدم حتي الان هي بيوت الحاج صابر والحاج زهير والحاج سعد أما بقية البيوت فتم هدمها. دخلنا الي داحل الأرض واحساس جارف بالخيبة وضياع الحلم يراودنا فما كان يحيط به السور لم يكن سوي الفضاء بالفعل ولم ينتزعنا من هذا الأحساس البغيض سوي اشارة مستور لغرفة صغيرة خالية قائلا هذا المبني كان تابعا لهيئة الطرق والكباري وهذه هي البوابة القديمة اللي اتعمل عليها القرار الأول رقم309 للمشروع من الكيلو149 الي الكيلو164 علي طريق مطروح/ اسكندرية الدولي, استكملت سيارتنا السير داخل الأرض فاذا به يقول هذا الطريق هو طريق الضبعة القديم وكانت البيوت علي الجانبين قبل هدمها عام2003. سألناه: وكيف كانت حياة الناس منذ1981 وحتي2003 ؟ وألم يكن السور موجودا من البداية؟ فقال السور اكتمل في بداية التسعينيات وكان دخول الناس وخروجهم من البوابة بشكل طبيعي فلم يكن هناك مايمنعهم ولذلك كانت التعويضات في البداية علي الغرس فقط من اشجار وغيره أما البيوت فلم يتم تعويضها قبل الهدم في2003 وكان تعويض الشجرة يتراوح ما بين8 و35 جنيها ولم يتم الصرف الا بعد1997 مشيرا الي ان المزرعة التي كانت تحوي100 شجرة وكان تعويضها حوالي3000 جنيه كانت تنتج من2000 الي2500 في العام الواحد ورغم ذلك فانه بأموال التعويضات كان يمكن شراء مزرعة بديلة في الثمانينيات لكن عند الصرف الفعلي للتعويضات فثمن المزرعة كان يوازي خطين للتليفون المحمول!. داخل الأرض وجدنا تجمعات الشجر أو ماتبقي من المزروعات كما يفضل الأهالي هناك أن يقولوا... في البداية كان الزيتون الذي يملأ الشجر والذي أكد لنا الأهالي أنه من أجود الانواع ويباع للعصر واستخراج الزيت منه موضحين ان الاهمال زاد خلال السنوات العشر الأخيرة وهو الأمر الذي أثر سلبيا بشكل كبير علي شجر التين حيث قلت قدرته علي الاحتمال مقارنة بشجر الزيتون, هنا كان السؤال ماالذي كان يجري بشأن المحصول وكيف كان يتم التعامل معه فقال مستور في التسعينات كانت هيئة الطاقة النووية تجري مزادات علنية علي المحصول سواء تينا أو زيتونا لتبيعه للمواطنين وكان العرف يقضي بأن يتقدم صاحب الأرض لشراء محصول أرضه وليس غيره حيث يشتري صاحب المزرعة. وعن الشعور العام عند المواطنين ازاء ذلك ومصير ثمن المحاصيل قال الظلم من جانب النظام السابق كان كتير والاحساس بالكرامة والرغبة في الحصول علي أرباح ولو بسيطة للمساعدة في المعيشة هو ماكان يدفع الاهالي لذلك وبعد أن تم اقتحام المكان وبمراجعة الأوراق التي وجدت تبين أن هذه الأموال كان يذهب نصفها لهيئة الطاقة النووية والنصف الاخر لهيئة المساحة لتسديد تعويضات الأهالي التي لم تصرف حتي الان, لكن هذا الاجراء توقف مع بداية القرن الجديد حيث كان يتم التعاقد مع مقاولين لشراء المحاصيل في الوقت الذي لم يكن متاحا أو متوافرا فرص عمل واقتصار الأمر علي التجارة من منافذ السلوم وليبيا وغيرها للبيع في المنطقة ولرواد الساحل الشمالي وأحيانا الاسكندرية وغالبا ماتكون التجارة للملابس والأحذية وهي ماتكفي للمعيشة فقط فالناس دخلها محدود. وبسؤال عما أكده أحد المواطنين في أحد الاعتصامات قبل هدم السور بأنه كان يبيع محصول أرضه بنفسه قال مستور كان أحيانا مايتم ذلك بالاتفاق مع الموظفين او رجال الأمن للتغاضي عن دخول وخروج المواطنين كما كان يتم بخصوص الأغنام للرعي في الارض حيث كان يتم الاتفاق مع أصحاب الأغنام كل بحسب العدد الذي يمتلكه بحيث يجمعون مبلغا من المال كرشوة شهرية لبعض الموظفين للسماح بدخول الأغنام وذلك بجانب أنه في الأعياد كان يتم ارسال خروف لكل موظف منهم في بيته رغم الحنق الموجود بين الأهالي نتيجة سياسات التوظيف التي لم تشمل أيا ممن لهم أراض داخل المشروع. هدم السور كانت له حكاية بدأت برغبة من الأهالي في التصييف حيث أوضح علي خميس أحد الأهالي أن ذلك مثلما كان يحدث مع الموظفين وذلك في شهر مايو2011 وقوبل الطلب بالرفض وفي شهر أغسطس طلبنا الدخول للصيد وتم الرفض أيضا وبعد نزول المطر في شهر سبتمبر طلبنا السماح لنا بحرث الأرض وتقليبها للحصول علي موسم قمح وشعير الا أنهم رفضوا أيضا فأعلنا الاعتصام السلمي المفتوح عند البوابة وبعد مناوشات متبادلة حدث الاشتباك الشهير مع القوات المسلحة رغم أنه لم يسبق الاحتكاك مع أجهزة الامن من قبل حيث كانت الامال معقودة قبل ذلك علي أنه بافتتاح المشروع سيكون مجالا جيدا للتوظيف وفتح باب الرزق أمام الكثيرين رغم أن المؤشرات جميعها توضح أنه لا مشروع ولا يحزنون فمنذ1981 لم تعقد ندوة واحدة لتوعية الأهالي بمحطة الطاقة النووية ودورها والمستقبل بعدها وهو أمر ضروري في مثل هذه الظروف فقال أبو شكارة كل مانعرفه عن المشروع عبارة عن محاضر وبلاغات وأقسام شرطة ونيابة وقضايا لمواطنين تم القبض عليهم بعد عبورهم السور او صاحب أغنام قاده حظة العثر لدخول أغنامه الي داخل المكان فالعلاقة مع المحطة أو داخل السور هي عداوة دائمة!. النشاط السياسي كان مقتصرا علي الجماعة السلفية منذ الثمانينيات وبدأت العلاقة بالشيبسي... هذا ليس طرفة فقد حكي الأهالي كيف انه مع الظلم وعدم وجود أي دعم من الدولة كانت تتم اقامة ندوات وأنشطة دينية واجتماعية من قبل الجماعة السلفية لجذب الناس اليها كان يتم توزيع أكياس الشيبسي مشيرين الي أنه لم يكن هناك وجود يذكر لأي من الأحزاب السياسية التي كانت موجودة أو جماعة الأخوان المسلمين في ذلك الوقت وحتي وقت قريب بعد25 يناير خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة والتي انتهت الي اتفاق في28 يناير الماضي والذي يوضح أن مجلس الشعب المقبل هو المخول بتشكيل لجنة مستقلة للبت في الأمر إما بالغاء المشروع أو تقليص المساحة المستخدمة فيه أو غير ذلك مما سيقرره المتخصصون وأعضاء لجنة مستقلة علمية أمنية اجتماعية اقتصادية لبحث ودراسة اقامة المشروع النووي من عدمه بالتنسيق مع لجنة من واضعي اليد الحقيقيين للأرض ليكونوا متحدثين عن بقية الأهالي حيث كانت المساحة الفعلية المسورة55 كيلو مترا مربعا اضافة الي75 كيلو مترا تضم الضبعة وضواحيها كحزام امن للمشروع ولكن تم الاتفاق بين الأهالي مالكي الأراضي علي أن يتم اقامة مشروع قومي كبير متناغم مع البيئة هناك وليس علي مساحة الأرض كلها لتكون الاستفادة للكثيرين من المواطنين سواء ابناء مطروح أو الاسكندرية مع الاستفادة من بقية الارض فيما بينهم. واصلنا المسير فاذا بنا أمام أسرة ضمن العدد القليل من الأسر التي عادت لأراضيها وأقامت مكان بيوتها القديمة وبسؤال سليمان يوسف رب أسرة أكد أنه لن يترك الأرض التي لم يشعر بحياته الا عندما دخلها مطالبا بمرافق تحقق حياة كريمة علي أن تكون البداية بمستشفي للعلاج قائلا عندما يمرض أحد ننقله علي السيارة الكارو حتي الطريق الرئيسي مما يمثل خطرا في ظل عدم وجود خدمة طبية في مستشفي الضبعة المركزي فيكون الأقرب للعلاج اما مطروح او الاسكندرية, وهو ما أكدته أم الوشون أي أم العيال أوالزوجة كما يطلقون عليها التي رفضت تصويرها بشكل قاطع وكان كل همها بجانب تركها في المكان المياه والكهرباء حيث أخذت تردد بنريد مي وضي.