أمام ورقة امتحان مادة اللغة الإعلامية جلست استدعي دلالات الألوان كما درستها, الازرق يعكس الحكمة والمعرفة, الأخضر يعكس الهدوء والاسترخاء, البنفسجي يعكس الثقة والثقافة والرقي, وفي معرض عصام معروف المقام حاليا بجاليري مشربية, وقفت استدعي دلالات الألوان في محاولة لاستشفاف ما ترمي إليه اللوحات العشرون التي اختارها الفنان لتكون قوام احدث معارضه, الا أن اختلاف الالوان وغرابة درجاتها عما ألفت جعلني أقرر تناسي تلك الدلالات التي درستها تماما لانظر للمعرض بعين جديدة. يقول عصام معروف: انا لا ابحث عن اللون في ذاته, بل ابحث في الطاقة التي تكمن في روح اللون فالازرق لدي هو لون ضوء القمر والأصفر هو طاقة ضوئية من الشمس وهكذا, اللون في ذاته ليس قضيتي, انا اقضي ليالي في البحث عن طاقة ضوء اميزها داخلي فامضي الساعات والأيام في خلط الالوان حتي اعثر علي ما يعكس تلك الطاقة, قد تخرج كدرجة من درجات الاصفر أو الأزرق او الأخضر, الا انه في حقيقتة ليس اي منها. الحيرة لا تنتاب الزائر لمعرضه لاختلاف اللون وتميزه فقط, فاللون في النهاية عنصر من عناصر التشكيل في العمل الفني, لكن النظر إلي موضوعات اللوحات وتكوينها تجعل الاسئلة تتردد حول قطع اللوحات الوجود التي يحمل المعرض عنوانها, الموجودات القليلة التي قد تظهر في فضاء لوحة ثم تتواري لتعاود الظهور في لوحة اخري تحتل موقعا ابعد داخل صالة العرض, فإذا ما اطمأننت إلي انك علي الأقل قد امسكت بتيمة المعرض وهي الوجوه النسائية التي تشكل محور اللوحات, سيعيدك الحديث مع عصام معروف للحيرة من جديد حيث يقول: اختياري للموضوع ليس اختيارا واعيا,المرأة موضوع جذاب دون شك لأي فنان, وعادة ما احتفي بجماليات وجه المرأة بدليل ان الموديل في أغلب اعمالي هو زوجتي لكن الحقيقة اني مصور, ولا اري في الوجه سوي عنصر فني او موتيفة استخدمها في عملية التشكيل, فأنا لا أهدف للحكي او صنع قضية او الاحتفاء بوجود انا لا أهدف سوي لتقديم فن لافت وصنع لغتي التشكيلية الخاصة. هذه اللغة الخاصة هي التي دعت عصام معروف لاختيار عشرين لوحة من اصل ستين عملا عليها خلال العام الماضي, لتكون هذه اللوحات العرين دون سواها هي قوام معرضه ويفسر اختياره لهذه اللوحات تحديدا بقوله: أنا اقيم المعرض كي اوصل للمتلقي جملة تشكيلية بصرية ما, تشكل اللوحات مفرداتها, فمايشغلني بالاساس هو ان تكون هذه الجملة جديدة من حيث العناصر والألوان والتقنيات المستخدمة, لهذا قد يستغرق العمل علي اللوحة, شهرا كاملا مثلا لرغبتي في بناء علاقات تشكيلية متميزة. جملة: لايشغلني البورترية التي يكررها الفنان لابد ان تستوقفك خاصة مع وجود لوحتين تبتعدان تماما عن المنطقة التي يدور فيها المعرض ففي لوحة تتوسط المعرض يوجد كرسي وحيد يبدو وكأنه يعود لعصر غابر, اسقط اللون الذهبي التقليدي المتوقع لاطاره الخشبي ليحل محله لون اخضر بدرجة تبدو رخيصة, اللوحة بكاملها يغلب علي تلوينها جو طفولي لافت, اما اللوحة الثانية القبلة فليتحم فيها وجهان يتوسطان بقعة التركيز باللوحة وتحيط بهما أشجار متناثرة, هذا الاختلاف في اللوحتين يؤكد عصام معروف انه يعود إلي رغبته في كسر الايقاع المتوهم الخاص بوجود وحدة في الموضوع ليؤكد ان الوحدة هنا هي وحدة العنصر التشكيلي من لون او موتيفة, لا الموضوع, ويشير معروف إلي أن هاتين اللوحتين تعكسان اهتمامه بالعمارة او البناء وهو مايبدو ايضا في البورتريهات التي تشكل قوام المعرض. البورتريهات نفسها لا يمكن الامساك بتيمة واحدة تجمع بينها في العموم, فاغلبها يبدو خاليا من التعبير, فيما تحمل اللوحات صغيرة الحجم مقاس10*10 سم طاقة وشحنة شعورية واضحة تبدو في الألوان المستخدمة والأوضاع غير التقليدية التي جعلت اللوحات القليلة صغيرة الحجم تحمل سمة تجريبية واضحة وهو ما يرجعه عصام معروف لايقاع التعامل مع اللوحة اثناء الرسم, يلفت إلي ان سؤال الأهرام المسائي نبهه إلي أنه تقنيته في التعامل مع اللوحة من حيث العناصر وحركة يده علي اللوحة لا تفرض تقنية فقط بل تفرض اسلوب حركة لليد ينتج عنه عناصر وطاقة اخري تتفجر لتحشد باللوحة الطاقة الضوئية والتشكيلية تتكثف في هذه المساحة شديدة الصغر لتنتج لوحة شديدة الاختلاف ويقول: لست انا المبدع الوحيد للوحة, بل أنا في حوار دائم مع الخامات والعناصر والالوان والضوء هذا الحوار يجعل هذه العناصر التشكيلية تشاركني في ابداع اللوحة واخراجها لتخدم الهدف الذي اسعي اليه وهو الامساك بتلك اللحظة المبدعة المشحونة بالاحساس ونقلها للوحة( ورق او توال), فإذا ما نجحت في نقل هذه اللحظة المشحونة بشكل يفاجئني, انا عند مطالعة اللوحة, فقد جسدت ما اؤمن به, من كون التشكيل اسلوبا خاصا ومتميزا للحياة.