الانحراف بالثورة عن المسار الذي كان واجبا أن تسلكه بدأ مبكرا. وفي غياب تصور ثوري متكامل للشكل الذي كان واجبا أن تكون عليه مصر بعد إقصاء مبارك. وفي وجود السلطة في أيدي العسكريين الذين كانوا جزءا من النظام الذي أسقطه الشعب, مضت البلاد في طريق غير الطريق الذي كان متعينا أن تسير فيه. لقد كان متعينا مثلا أن يكون هناك نظام حكم ديمقراطي يليق بالثورة. لكن العملية السياسية خلال الفترة الانتقالية ابتعدت كثيرا عن هذا الهدف الكبير. وكان من أجزاء النظام الديمقراطي اللائق بالثورة أن يكون هناك مجلس تشريعي محدد الصلاحيات منتخب بأسلوب ديمقراطي لا تحيط به شبهة. ومثل هذا المجلس التشريعي, سواء سمي مجلس الشعب أو مجلس النواب, كان متعينا أن يخلو من أعضاء معينين. فالتعيين ممارسة سياسية غير ديمقراطية وغير موضوعية وتبعد المجلس التشريعي عن أن يكون ممثلا للشعب تمثيلا كاملا أو صادقا. ففي البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا يمكن أن تصدر القوانين المؤثرة في حاضر البلاد ومستقبلها بفارق صوت واحد. فما بالك أن رئيس الدولة عندنا ضمن في جيبه عشرة اصوات هي أصوات من يجود عليهم بالتعيين في المجلس. وفي النظام الديمقراطي الذي كان لائقا بالثورة كان متعينا أن يكون هناك فصل تام بين السلطات, وأن تكون لكل سلطة اختصاصاتها بنصوص الدستور والقوانين. وفي النظام الديمقراطي الذي كان لائقا بالثورة كان متعينا إلغاء مجلس الشوري الذي كان ابتداعا من الرئيس أنور السادات أراد به إعطاء حصانة نيابية لبعض بطانته, وهي سياسة سار عليها مبارك. وقد كان رأي الناخبين في مجلس الشوري بعد الثورة واضحا: لا نريد هذا المجلس. فقد كانت نسبة الإقبال علي انتخاباته هزيلة. ولذلك يجب إلغاؤه.