خمسة ملايين وسبعمائة ألف فرد هم مجموع العاملين المثبتين في الدولة المصرية, بالإضافة إلي مئات الآلاف غيرهم من العاملين في هيئات اقتصادية عامة, وفي بعض الهيئات الأخري غير المشمولة بهذه الإحصائية, ومئات الألوف من العمالة المؤقتة مقابل مكافأة شاملة.المؤكد هو أن هذا العدد يزيد كثيرا علي الاحتياجات الحقيقية لإدارة جهاز حكومي كفء وفعال, وبينما تحاول الحكومة الحد من عدد العاملين في جهاز الدولة, فإنها تواجه بضغوط هائلة من المجتمع, ومن أعضاء مجلس الشعب, ومن كل من له ذرة نفوذ في هذا البلد لإضافة موظفين جدد للجهاز الحكومي. الحجج التي يستخدمها طالبو الوظائف الحكومية عديدة ومعتادة, فهذا الشاب يجلس في البيت منذ تخرجه قبل عدة أعوام, وتلك الفتاة أصبحت مسئولة عن عائلتها بعد وفاة أبيها الذي كان يتولي إعالة الأسرة. الحجج كلها تدور حول حاجة هؤلاء الشباب للعمل, وهي حاجة مؤكدة, فبدون العمل يصبح المواطن محروما من الهوية الاجتماعية, ومن الاستقلال الذاتي وتحقيق الذات, ومحروما أيضا, وهو الأهم, من مصدر للدخل يعيل به نفسه. لكن كل هذه الحجج تتحدث عن احتياجات الشباب من الباحثين عن عمل, ولا أحد يتحدث عن احتياجات الطرف الثاني لهذه العلاقة, أي الدولة التي ستتولي توفير مكان يجلس فيه الموظف الجديد, ومرتب متواضع يتلقاه أول كل شهر, يحل طالبو العمل هذه المشكلة بجمل بسيطة من نوع موظف واحد مش حايفرق في الآلاف الموجودة عندكم, وإنه هو يعني الكام ملطوش اللي حايخدهم في آخر الشهر هم اللي حايفرقوا مع الحكومة. مئات الآلاف تم توظيفهم في الحكومة وفقا لاتفاق ضمني بين الحكومة والموظفين ينص علي أن تقوم الحكومة بتوفير الوظيفة, في مقابل أن يرضي الموظف بالكام ملطوش, أما ما يحدث الآن من مطالبة برفع الحد الأدني لأجر الموظف الحكومي إلي ألف ومائتي جنيه شهريا, ففيه خروج من أحد طرفي التعاقد الضمني علي نص الاتفاق, الأمر الذي يتيح للطرف الآخر في العقد, أي الحكومة, أن تفعل الشيء نفسه, فلا يجوز أن يظل باب التوظيف في الحكومة مفتوحا لحل المشكلات الإنسانية والاجتماعية, بينما يطالب الموظفون بمعاملتهم كما ينبغي أن يعامل الموظفون الذين يعملون بجد, وليس لأنه موظف إضافي مش حايفرق, أو أنه الكام ملطوش مش حايضلعوا ميزانية الدولة.