في قوله الله تعالي: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولاتسأل عن أصحاب الجحيم وحتي نعرف سر الالتفات من الغيبة إلي الخطاب, وماذا في هذا الالتفات من مؤانسة وتطمين لرسول الله صلي الله عليه وسلم نقول وبالله التوفيق إنها جاءت تجيب عن سؤال طرحه سياق الآيات التي تحدثت عن تعنت الكافرين وانصرافهم عن دعوة الحق: وماذا بعد ياربي؟ هل من سبيل لهدايتهم أسلكه ليصل هذا النور إلي قلوبهم؟ فجاءت الاجابة: إنا أرسلناك بالحق بشيرا.. الآية, وقلنا إن هذه الآية تنم عما كان يجده رسول الله صلي الله عليه وسلم من ألم وحزن لعدم إيمان قومه, وأن الله كان يسري عنه, ويبين له أنه لاسلطان له علي قلوب العباد. وما عليه إلا البلاغ, وهذا ما نراه في الآيات الكثيرة التي ترشد رسول الله إلي هذه الحقيقة فتقول له: فذكر إنما أنت مذكر, لست عليهم بمسيطر, وتقول وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما علي رسولنا البلاغ المبين, وتقول: اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم, ما علي الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون وتقول وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. وتقول: فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين, وتقول وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول, فإن توليتم فإنما علي رسولنا البلاغ المبين. وتتساءل هذه الآيات التي ذكرتها في بيان مهمة رسول الله صلي الله عليه وسلم من سور متعددة منها المكي والمدني, فهل لهذا من دلالة في منهج دعوة رسول الله صلي الله عليه وسلم. أردت من اختيار الآيات التي تذكر وتذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم بمهمته وحدود رسالته أن أجمع بين مانزل منها في مكة, وما نزل منها في المدينة, لأبين أن هذه سمة بارزة في منهج رسول الله صلي الله عليه وسلم, وأنه إذا قيل إنه في مكة كان هو وأصحابه مستضعفين, ولهذا أمر بالصبر والصفح. وأنه ليس عليه إلا البلاغ, وليس له إلا أن يذكر, ويجب عليه ألا يحزن وألا تذهب نفسه حسرات لعدم إيمان قومه, فماذا يقال فيما نزل من الآيات في المدينة تذكر له هذا أيضا؟ إن الايمان محله القلب. وهذا الايمان لايستقر في القلب والوجدان بالاكراه, قال تعالي لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي, وإذا كان المسلمون في المدينة قد أصبحت لهم دولة. وارتفعت لهم راية ونصرهم الله علي عدوهم وأيدهم ومكنهم في أرضه. فليس في استطاعتهم أن يجبروا أحدا علي الايمان بشيء لم يقتنع به, ولهذا نري أن من يقول إن الاسلام انتشر بحد السيف, من يقول هذا إنسان فقد عقله, وأعماه تعصبه وكفره فقال قولا يتصارع مع الواقع, ولا يقوم عليه دليل إنما كان السيف لاسقاط معاقل الكفر والضلال في أنحاء الأرض وفتح الطريق أمام الانسان في كل مكان من أرض الله ليري نور الحق وضاء مشرقا, وعلي هذا الانسان أن يختار ما يريد من دين كما قال تعالي: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وعليه أن يتحمل مسئولية اختياره وليعلم ما أعد الله لمن آمن وما أعد لمن كفر, كما ذكر هذا في الآية فقال: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا, ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها علي الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا. إلي غير ذلك من الآيات, فهذا إذن هو طريق رسول الله صلي الله عليه وسلم عبر مراحل رسالته ودعوته, أن يدعو إلي الله علي بصيرة وما عليه إلا أن يدعو, أما الهداية فهي من الله وحده, فاللهم اشرح صدورنا وأنر قلوبنا وعقولنا بنور القرآن العظيم. وللحديث بقية