أمة وسط, وهي أمة الإسلام, خير الأمم, تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر, تصدع بالحق, حتي في وجه السلطان, فهو خير الجهاد, والعلماء أولي الناس بإظهار الحق, فلا خير فيهم إن لم يقولوها ويظهروها. ولايستطيع العلماء الوقوف مع الحق في وجه السلطان إلا إذا استغنوا عن دنيا السلاطين, حينها يأتيهم نصر الله وتأييده, وتاريخنا الإسلامي حافل بسير العلماء الذين قالوا كلمة الحق في وقتها, والعز بن عبد السلام واحد من هؤلاء, وقف في وجه السلطان في الشام, حينما تحالف مع الصليبيين ضد الإسلام, وفي مصر وقف أمام تولي المماليك الأرقاء مناصب الولاية. ولد العز بن عبد السلام في دمشق عام775 ه/1811 م, لقب ب سلطان العلماء و بائع الملوك, عاش في فترة مضطربة من حياة الأمة الإسلامية, فقد عاصر الحروب الصليبية, ورأي الخلافة العباسية وهي تتشظي إلي دويلات, وعندما جاء الغزو المغولي ليحرق بغداد ويستولي علي بلدان الشام, ثم يتجه الي مصر درة الإسلام حينها, برز عالمنا الجليل محرضا وداعيا المماليك, الذين ورثوا حكم مصر بعد زوال دولة الايوبيين, لمواجهة المغول والتصدي لهم, حتي استطاع قطز هزيمتهم في عين جالوت, وأوقف زحفهم علي العالم الإسلامي, وإنقاذ العالم المتحضر من بربريتهم ووحشيتهم. كان العز خطيب المسجد الاموي في دمشق, وكان الحكام يعرفون له قدره, ويحظي بإجلال الناس وتعظيمهم لعلمه, وكانت دمشق تحت حكم الملك الصالح عماد الدين الأيوبي, ولما نشب الخلاف بين حاكم دمشق وابن أخيه الملك الصالح نجم الدين ايوب, حاكم مصر, فاستعان عماد الدين بالصليبيين, فأعطاهم حصن الصفد والتثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والتزود بالطعام وغيره, مقابل أن يدعموه في حربه. فاستنكر الشيخ ذلك وأفتي بحرمة بيع السلاح للفرنجة, وبحرمة الصلح معهم, فغضب الملك علي العز وسجنه, فلما تأثر الناس, واضطرب أمرهم, أخرجه الملك من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة في الجوامع, فترك العز الشام وسافر إلي مصر. في القاهرة, استقبل الصالح أيوب سلطان العلماء بالحفاوة والتكريم, وعهد إليه بمنصب قاضي القضاة, وفي أثناء قيامه بعمله اكتشف أن القادة الأمراء الذين يعتمد عليهم الملك الصالح أيوب لايزالون أرقاء لم تذهب عنهم صفة العبودية, وما داموا أرقاء فلا تثبت ولايتهم ولا تنفذ تصرفاتهم العامة الخاصة مالم يحرروا, فأبلغهم بذلك, ثم أوقف تصرفاتهم في البيع والشراء والنكاح وغير ذلك مما يثبت للاحرار من أهلية التصرف, فتعطلت مصالحهم, وكان من بين هؤلاء الأمراء نائب السلطان. حاول الأمراء مساومة الشيخ فلم يفلحوا وأصر علي بيعهم لصالح بيت المال, ثم يتم عتقهم ليصبحوا احرارا تنفذ تصرفاتهم, فرفضوا ورفعوا الأمر الي السلطان الصالح أيوب, فراجع الشيخ في قراره فأبي, وتلفظ السلطان بكلمة أغضبت الشيخ, فانسحب الشيخ وعزل نفسه عن القضاء, وهم بمغادرة القاهرة, وما أن انتشر الخبر, حتي خرجت الأمة وراء الشيخ, وركب السلطان في طلب الشيخ واسترضاه, ونادي الشيخ علي الامراء بالبيع, فاشتراهم الصالح أيوب من ماله, وأعتقهم, وكانت هذه الوقعة الطريفة سببا في إطلاق اسم بائع الملوك علي الشيخ المهيب. توفي العز بن عبد السلام سنة066 ه/2621 م في مصر