وصول قطار العائدين السودانيين إلى محطة السد العالي في أسوان    وزير الخارجية الإيراني: لا يمكننا التخلي عن تخصيب اليورانيوم    «جايب 6 أهداف في ست سنين».. أسامة حسن يطالب ببيع نجم الزمالك    «كانت حفلة صعبة.. وإمام عاشور اتنقذ».. تعليق ساخر من الغندور على إيقاف راغب علامة وفتوح    4 أبراج «بتسيب أثر فيك».. ساطعون كالنجوم لا يمكن نسيانهم وحضورهم طاغٍ    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    الأردن يرحب ببيان 25 دولة حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة    الأمم المتحدة: استمرار العنف في سوريا يؤجج النزوح الجماعي في السويداء    تاس: جولة جديدة من المحادثات الروسية-الأوكرانية فى إسطنبول يومى 24 و25 يوليو    الاحتلال يشن غارات متواصلة على دير البلح    "مستقبل وطن" ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بالشرقية لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ    مصطفى العش: معسكر تونس مفيد.. ونسعى لتقديم موسم قوى مع الأهلى    حسن شحاتة يخضع لعملية جراحية    العثور على جثة شاب طافية في نهر النيل بالجيزة    5 شركات مالية غير مصرفية تحصل على تقديم خدماتها باستخدام مجالات التكنولوجيا المالية.. تفاصيل    الكنيسة تفتح أبوابها لاستقبال قداسة البابا تواضروس الثاني    فريدة تمراز: حلمى كان إعادة مصر إلى خريطة الموضة العالمية ببراند معترف به    الصحف المصرية.. رسالة السودانيين لمصر: شكرا من القلب    منظمة الصحة العالمية تعلن استهداف قوات الاحتلال لمقرها وسط قطاع غزة    البيت الأبيض: ترامب فوجئ بقصف سوريا.. و"روبيو" لعب دورًا في خفض التصعيد    وزارة الدفاع الأمريكية: مشاة البحرية تنهي انتشارها في لوس أنجلوس    د.حماد عبدالله يكتب: "تدليع " الصناعة المصرية !!    الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025    رئيس وزراء الكويت يستقبل كامل الوزير لبحث التعاون الاستثماري وتوسيع الشراكة الاقتصادية    "أنا على الهوا".. موقف طريف لمعلق ودية الأهلي والملعب التونسي (فيديو)    «أنا مش معاهم».. وسام أبوعلي يتبرأ من الاتحاد الفلسطيني بعد أزمته مع الأهلي    «لن يعتزل».. الكشف عن وجهة علي معلول بعد رحيله عن الأهلي    تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم.. مؤشرات كليات طب بيطري 2024 بالدرجات    مصرع شاب من المنوفية صعقًا بالكهرباء داخل مصنع بأكتوبر    تكريم مسعف وفني أنقذا سيدة في ولادة طارئة داخل سيارة إسعاف بقنا (صور)    جدول امتحانات الدور الثاني 2025 في الجيزة ( صفوف النقل والشهادة الإعدادية)    أول بيان من «الداخلية» بشأن فيديو مواطن تعدى بالضرب على زوجة شقيقه المتوفى للاستيلاء على أرض زراعية في البحيرة    إصابة 9 أشخاص بحالة إعياء بعد تناولهم وجبة عشاء في فرح ب الدقهلية    مؤشرات تنسيق كلية التربية 2025 في جميع المحافظات (علمي وأدبي)    للراغبين في الالتحاق بكلية الشرطة.. كل ما تُريد معرفته عن الشروط والمواعيد والإجراءات    مديرية التعليم بالسويس تعلن أسماء 102 فائزًا في مسابقة ال30 ألف معلم    إدراج كلية الطب بالجامعة الأهلية في المنيا في الاتحاد العالمي للتعليم الطبي    بإطلالة جريئة.. 10 صور ل بوسي أثناء قضاء إجازة الصيف في الساحل    داليا البحيري بفرنسا وميرنا جميل في عرض البحر .. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن | منع راغب علامة من الغناء وحقيقة إصابة أنغام بالسرطان    وزير العمل: مواجهة عمالة الأطفال وحماية عمال الدليفري أولويات الوزارة    التحقيق في وفاة سيدة مسنة إثر سقوطها من الطابق السادس بمستشفى طيبة بإسنا    «مكرونة الزواج».. وصفة بسيطة يطلق عليها «Marry me chicken pasta» (الطريقة والمكونات)    عمر كمال: استفدنا بشكل كبير من ودية الملعب التونسي.. وجاهزون لتحديات الموسم المقبل    سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد وجهود لإنقاذ مستقليها    انتشال جثة ونقل مُصاب إثر سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد    ضبط طفل يقود سيارة ملاكي في الجيزة عقب تداول فيديو الواقعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي    ماذا قال عن بيان الاتحاد الفلسطيني؟.. وسام أبو علي يعتذر لجماهير الأهلي    "تنظيم عمل المؤثرين": توصية رئيسية لدراسة ماجستير للباحث محمود أبو حبيب بجامعة عين شمس    «المالية» تكشف حقيقة إطلاق حزمة حماية اجتماعية جديدة    نجم الزمالك السابق ينتقد اعتذار وسام أبو علي للأهلي    رسميا.. افتتاح وحدة مناظير أورام النساء بمستشفى 15 مايو التخصصي    وزير الصحة يتفقد مشروعات تطوير مستشفيي الأورام والتل الكبير بالإسماعيلية    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أرباح السوشيال ميديا حلال أم حرام؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرب والربيع العربي
وعود في الهواء‏..‏ وأزمات طاحنة

ستون مليار دولار تقريبا هي إجمالي التعهدات المالية التي قطعتها الدول الكبري لإنعاش اقتصاديات ما يعرف ببلدان الربيع العربي‏,‏ ومنذ ذلك الحراك الثوري في المنطقة قبل أكثر من عام ونصف العام‏.‏
هذه التعهدات السخية كانت ستصبح عند الوفاء بها بمثابة مشروع مارشال عالمي جديد‏,‏ كالذي أنعش أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية‏,‏ لكن الذي حدث أنه لم يصل من هذه الأموال حتي الآن سوي ربعها فقط لا غير‏.‏
لكن لماذا بدت الدول الكبري وكأنها لحست السواد الأعظم من وعودها المالية؟
لماذا تبدو الدول الغنبية وكأنها تحجم مثلا عن إنقاذ مصر من عجز مالي يوصف بأنه كارثي‏,‏ لا تمنحها إلا نصف الأموال التي تحتاجها الآن بشكل عاجل‏,‏ وهو السيناريو نفسه تقريبا الذي تتجرع مرارته تونس واليمن‏.‏
فهل تسرع العرب في فهم تفاصيل الوعود المالية السخية التي قطعت لهم‏,‏ وهي التفاصيل التي تعج بما قد يوصف بشياطين الحسابات السياسية والاقتصادية التي تحكم معادلة المنح والمنع في المشهد العالمي إجمالا؟
فالدول الكبري التي تعاني أصلا أزمات سيولة تهدد اقتصادياتها في الصميم‏,‏ كشفت عن أنها لم تكتب شيكات علي بياض للثائرين العرب‏,‏ وأن عليهم أن يقدموا شهادة حسن سير وسلوك اقتصادية وسياسية بعينها‏..‏ شهادات ممهورة من المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين‏.‏
سلاح المساعدات
هذا الأمر دفع الأمور في طريق اتهام أقطاب العالم الغنية بمحاولة استغلال سلاح المساعدات لتوجيه دفة تلك الأحداث السياسية‏.‏
لكن في المقابل فإن هناك من يتهم الدول الثائرة بأنها تتحمل جانبا من المسئولية بعجزها عن تحقيق درجة مقبولة من الاستقرار السياسي المشجع للاستثمار‏,‏ أفليس رأس المال أجبن من أن يغامر في مجهول سياسي قد لا يجني منه سوي الضياع؟
هذا كله لا ينفي أن الاتحاد الأوروبي الذي يعد من أكبر إن لم يكن أكبر المانحين في العالم يعاني أزمة قد تؤدي إلي تداعيه‏,‏ وربما إلي انهيار اليورو الذي يعد الرمز الأكبر لأضخم اتحاد نقدي واقتصادي في التاريخ الحديث‏.‏
وسواء نجا اليورو أو انهار فقد تقوض الطريقة العشوائية التي تتعامل بها أوروبا مع هذه الأزمة المالية المتفاقمة النفوذ السياسي للمنطقة لسنوات‏,‏ بل وقد تكسبها نقطة ضعف خطيرة في عالم سريع التغير‏.‏
وتقول وكالة رويترز في تحليل إخباري لها‏:‏ إنه عن طريق سلسلة تبدو بلا نهاية من اجتماعات القمة‏,‏ والمكالمات الهاتفية في اللحظات الأخيرة أبقي زعماء أوروبا ووزراء ماليتها علي تكتل العملة قائما في مواجهة توترات متزايدة بين الدول‏,‏ وتداعيات سياسية متفاقمة‏,‏ وقلق في السوق‏.‏
قلق أمريكي
بعض المحللين خارج الاتحاد يقول‏:‏ إن كل إجراء يأتي ضعيفا للغاية‏,‏ ومتأخرا للغاية‏,‏ ويشكو المسئولون الأمريكيون علي وجه الخصوص من أن الزعماء الأوروبيين إما فشلوا في فهم حجم المشكلة‏,‏ أو أنهم غير مستعدين لقبول القرارات السياسية الصعبة الضرورية لإصلاح الأوضاع‏.‏
ويقول هؤلاء المسئولون‏:‏ إنه نتيجة لذلك فإن ما كان من المفترض أن يكون أحد أكثر أنحاء العالم استقرارا‏,‏ أصبح أكثرها اضطرابا‏.‏
مزيد من الوحدة
من ناحية قد تكون منطقة اليورو في طريقها لمزيد من الوحدة السياسية والمالية‏,‏ لتصبح أشبه بدولة واحدة كبيرة في اتحاد تام تقريبا‏,‏ لكنها علي الجانب الآخر قد تنهار وتتفكك مخلفة دولا متنافسة غير مستقرة‏.‏
ونقلت رويترز عن فيونا هيل المسئولة السابقة في مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي‏,‏ والمديرة الحالية لبرنامج أوروبا في معهد بروكينجز في واشنطن قولها‏:‏ في كل حوار لي تقريبا خلال العام الماضي‏,‏ مع الصينيين أو الهنود ومع الجميع تقريبا‏,‏ كنت دائما أتلقي الرسالة نفسها‏,‏ لم يعد بالإمكان الوثوق في أوروبا‏,‏ يبدو أنها تحولت من مصدر للاستقرار إلي مصدر لعدم الاستقرار‏.‏
أضافت قائلة‏:‏ إن كل الثوابت القديمة أصحبت موضع شك‏,‏ حتي بريطانيا التي ليست عضوا في منطقة اليورو بدا فجأة أنها تواجه خطر التفكك حيث من المقرر أن تجري اسكتلندا استفتاء علي الاستقلال يقول خبراء إنه لا يمكن التنبؤ بنتيجته‏.‏
باختصار أصبحت أزمة الديون والبنوك في منطقة اليورو التي تعتمل ببطء آخذة في التفاقم‏,‏ وقد قرر الزعماء السياسيون لمنطقة اليورو أخيرا إنقاذ البنوك الإسبانية‏,‏ كما أجرت اليونان انتخابات برلمانية كان كثير من المحللين يخشون أن تسفر عن انسحابها من منطقة اليورو‏.‏
ويقول البعض‏:‏ إن من المبكر جدا شطب أوروبا‏,‏ أو مؤسسات الاتحاد الأوروبية كلية‏,‏ وتحت قيادة كاثرين أشتون مسئولة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي يرجع البعض الفضل لأوروبا في تحقيق تقدم حقيقي في المحادثات مع إيران والقوي الأخري بشأن مستقبل برنامج طهران النووي المثير للخلاف‏,‏ لكن قدرتهم علي أي شيء يتجاوز مشكلاتهم المباشرة تعتبر محدودة إلي حد كبير‏.‏
معركة إنقاذ اليورو‏..‏ عميقة ومستمرة والتهميش وارد
نقلت رويترز عن ايان بريمر رئيس مجموعة يوراشيا الاستشارية قوله‏:‏ الأوروبيون مستغرقون تماما في معركة إنقاذ منطقة اليورو‏.‏
وتابع قائلا‏:‏ إنها أزمة عميقة ومستمرة‏,‏ وأكبر من أي شيء مروا به في عقود‏..‏ إنها بيئة ليس من الممكن فيها أن نتوقع أن تكون للزعماء الأوروبيين أولوية أخري‏.‏
وقد يؤدي ذلك لتهميش القارة بشكل متزايد مع بزوغ نجم القوي الناشئة‏,‏ ليس فقط دول مجموعة بريك التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين‏,‏ لكن دولا أخري أيضا مثل تركيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا‏.‏
وفي نهاية المطاف قد يقوض ذلك قدرة زعماء القارة علي إقناع بقية العالم بأن يأخذوهم علي محمل الجد في مجموعة من الموضوعات من التجارة إلي أهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان‏.‏
ونقلت رويترز عن نيكولاس جفوسديف أستاذ دراسات الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأمريكية قوله‏:‏ ربما لن تتوقف أوروبا عن وعظ باقي العالم‏,‏ لكن الآخرين لن تكون لديهم رغبة في الاستماع علي الأرجح‏.‏
قمة كوبنهاجن
وفي قمة كوبنهاجن بشأن المناخ في‏2009,‏ شعرت أوروبا بمهانة الاستبعاد خارج القاعة عند إبرام الاتفاق النهائي بين الولايات المتحدة والقوي الناشئة‏,‏ وعقب أزمة منطقة اليورو فقد يكون هذا مكانا يتعين علي الزعماء الأوروبيين الاعتياد عليه‏.‏
لكن بالنسبة لبقية العالم ليست القارة نفسها فحسب هي التي يخبو بريقها سريعا‏,‏ فلم يعد النموذج السياسي الأوروبي برمته‏,‏ وهو النموذج المتمثل في نظام الرعاية الاجتماعية السخي‏,‏ والديمقراطية في اتخاذ القرار‏,‏ والتكامل الإقليمي الوثيق‏,‏ وفكرة اتحاد العملة كعنصر استقرار‏,‏ جذابا للمناطق الأخري التي مازالت تنمو‏.‏
ويقول براهما شيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز البحوث السياسية بنيودلهي‏:‏ أوروبا عند مفترق طرق‏,‏ ومستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه علي المحك‏.‏
وأضاف‏:‏ لو انهار اليورو فستكون نهاية التجربة الأوروبية في تحقيق تكامل سياسي ومالي قوي‏,‏ لكن ستكون لذلك أيضا تداعيات دولية أوسع‏.‏
ولكن لا يوجد اتفاق عام علي ماهية تلك التداعيات‏,‏ يقول شيلاني‏:‏ إن انهيار اليورو ربما يسهم في ضمان تفوق الدولار‏,‏ وربما الولايات المتحدة نفسها‏,‏ لسنوات‏.‏
لكن آخرين يعتقدون أن انهيار أوروبا سيكون مؤشرا علي ما سيحدث للولايات المتحدة أيضا‏,‏ ويقول بهارات كارنارد زميل شيلاني في مركز البحتوث السياسية‏:‏ إنه أيا كان ما سيحدث فإن قوي مثل الصين في صعود‏,‏ وسيواجه الغرب تحديات متزايدة بغض النظر عن مصير اليورو‏.‏
وتأخذ واشنطن احتمال انهيار أوروبا علي محمل الجد‏,‏ فعلي المدي القصير من الواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قلقة بشأن تداعيات ذلك علي الانتخابات في حالة انتقال الأزمة الأوروبية عبر الأطلسي قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر‏.‏
لكن علي المدي البعيد‏,‏ سواء نجا اليورو أو لا‏,‏ فإن المخططين الأمريكيين بدأوا يستوعبون حقيقة أن من المرجح أن تصبح القارة أفقر وأكثر تركيزا علي الداخل مما كانت واشنطن تأمل‏.‏
وتدفع واشنطن منذ فترة طويلة القوي الأوروبية علي الاهتمام بدرجة أكبر بمحيطها المباشر‏,‏ وبينما أخذت بريطانيا وفرنسا المبادرة السياسية في ليبيا العام الماضي‏,‏ شكا روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي وقتها‏,‏ من أن القوات الأوروبية في حلف شمال الأطلسي تعتمد كلية في واقع الأمر علي الولايات المتحدة فيما يتعلق بالذخيرة‏,‏ واللوجستيات‏,‏ وأشكال الدعم الأخري‏.‏
لكن تغير التفكير الأوروبي والإنفاق الدفاعي الإضافي الذي طالبت به واشنطن‏,‏ يبدو الآن مستحيلا في ظل التقشف الحالي‏.‏
ويري محللون أن المخططين الأمريكيين ينتبهون أيضا لحقيقة أن الدول الأوروبية لم يعد من المتوقع أن تضاهي تعهدات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والمالية لمناطق الحروب والصراع‏,‏ ثم إن هناك مخاوف استراتيجية طويلة الأمد‏.‏
ويؤكد هؤلاء المحللون إن التمركز العسكري لواشنطن تجاه آسيا كان يستند جزئيا إلي افتراض أن أوروبا ستظل مستقرة وغنية‏,‏ وأنه لا يوجد ما يقلق الولايات المتحدة بشأن حلف شمال الأطلسي‏,‏ وقد يجعل ضعف أوروبا المخططين الأمريكيين أقل ثقة في ذلك‏,‏ خاصة لو عززت الصين نفوذها‏.‏
وعززت الصين استثماراتها في أوروبا في السنوات القليلة الماضية‏,‏ بما في ذلك مشروعات موانئ في اليونان وإيطاليا‏.‏
ويري بعض المحللين السياسيين أن نقاط الضعف والأسباب وراء أزمة منطقة اليورو أوسع نطاقا بكثير‏,‏ ويمكن ملاحظتها في معظم الاقتصادات الغربية‏,‏ بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي نفسه‏.‏
ونقلت رويترز عن جين ليكون رئيس مجلس الرقابة علي مؤسسة الاستثمار الصينية‏,‏ وهي صندوق الثروة السياسية في البلاد‏,‏ في مقال نشرته صحيفة الشعب الصينية يوم‏21‏ مايو الماضي قوله‏:‏ ما يلزمهم التخلص منه لإنقاذ السفينة يشمل بالأساس مركز الثقل نفسه الذي كان يوفر الاستقرار للمجتمع بعد الحرب‏.‏
انحسار أوروبا
ويقول خبراء‏:‏ إن من الأرجح دائما انحسار النفوذ الدولي لأوروبا بعض الشيء‏,‏ مع استهلاك سكانها الذين ترتفع بينهم نسبة المسنين لمزيد من الموارد‏,‏ في حين تحقق الاقتصاديات الناشئة بالتأكيد معدلات نمو أكبر‏,‏ لكن هل يدرك قادة القارة ذلك؟ هذا شأن آخر‏.‏
ونقل عن جاك جولدستون أستاذ الشئون الدولية في جامعة جورج ميسون قرب واشنطن العاصمة قوله‏:‏ مصدر النفوذ الرئيسي لأوروبا‏(‏ يفترض أن يكون‏)‏ نجاح نموذجها السياسي والاقتصادي في توفير مستويات معيشة مرتفعة‏,‏ وحريات ديمقراطية‏.‏
وأضاف قائلا‏:‏ لو قوضت الأزمة الحالية هذين أيضا فستبدو أوروبا مثل نظام ضعيف سئ الإدارة من الدول العجائز الراكدة اقتصاديا‏,‏ ومن ثم فإن فقدان النفوذ ينتظرها‏.‏
ترحيب ولكن
قد تكون الأسواق العالمية قد رحبت بتحرك أوروبا صوب وحدة أوثق‏,‏ لكن لا يبدو أن الناخبين الأوروبيين سيكون لهم رد الفعل نفسه‏,‏ وهو ما يسبب قلقا للمستثمرين‏,‏ خاصة في وقت تبدو فيه أوروبا أشد انقساما من أي وقت مضي منذ طرح العملة الموحدة في عام تسعة وتسعين‏.‏
واتخذت أوروبا خطوة صوب توثيق عري وحدتها بقرار تعديل قواعد الإنقاذ المالي لمساعدة إيطاليا وإسبانيا‏,‏ والتحرك تجاه إنشاء رقابة مشتركة علي القطاع المصرفي‏.‏
إلا أنه حتي لو نحي الزعماء الأوروبيون خلافاتهم جانبا‏,‏ وبدأوا في بناء ولايات متحدة أوروبية‏,‏ فقد يقاوم الناخبون ما يرون أنه انتقاص من السيادة‏,‏ وربما يؤثر ذلك علي الأسواق لو ذهب الجهد الكبير سدي‏.‏
ونقلت وكالات الأنباء العالمية عن سايمون بريك كبير مسئولي الاستثمار في نيوتن لإدارة الاستثمار في لندن‏,‏ التي تدير أصولا بنحو‏80‏ مليار دولار قوله‏:‏ إن كثيرا من الناس في أوروبا لا يريدون أن يكونوا جزءا من دولة واحدة‏.‏
وأضاف أن هناك انفصاما بين الساسة الأوروبيين وجمهور الناخبين‏,‏ وأن كلا منهما يسير في اتجاه‏.‏
وأثارت موجة كبيرة من تخفيضات الإنفاق والزيادات الضريبية بهدف تقليص العجز الكبير بميزانيات الدول الأوروبية‏,‏ رد فعل غاضب من المواطنين في منطقة اليورو التي تضم‏17‏ دولة‏,‏ خاصة في الدول التي تعاني ارتفاع البطالة‏,‏ وتراجع النمو‏,‏ أو الانكماش‏.‏
اختارت أقليات لا بأس بها في الانتخابات الفرنسية واليونانية الأخيرة أحزابا من أقصي اليمين أو من أقصي اليسار بدلا من التيار الرئيسي المؤيد للتكامل الأوروبي‏.‏
في غضون ذلك تعارض ألمانيا تخفيف إجراءات التقشف‏,‏ وتقاوم دعوات لإنشاء سوق سندات مشتركة‏.‏
وخرج عنوان رئيسي لإحدي الصحف الألمانية في الآونة الأخيرة يقول لا باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية‏,‏ مستحثا الزعماء علي مقاوة الجهود لحمل ألمانيا علي ضمان ديون دول أخري بمنطقة اليورو‏.‏
ونقلت وكالات الأنباء العالمية عن جريجوري وايتلي من مؤسسة دبل لاين كابيتال في لوس أنجلوس أن اتفاق القمة الأوروبية الأخيرة القاضي بالسماح بضخ أموال الإنقاذ مباشرة في البنوك بدلا من إقراضها لحكومات مثقلة بالفعل بالديون‏,‏ يمثل خطوة مهمة‏,‏ خاصة أنه يتزامن مع لين ملحوظ في موقف ألمانيا السابق‏.‏
لكنه أضاف أن إنشاء هيئة منظمة للقطاع المصرفي بمنطقة اليورو للإشراف علي هذه المساعدات‏,‏ قد يكون أمرا صعبا‏,‏ وقال الزعماء الأوروبيون‏:‏ إنهم سيبحثون إنشاء مثل هذه الهيئة بحلول نهاية العام‏.‏
وتابع‏:‏ مازلنا بعيدين عن تسوية ذلك لأن مقاومة الناخبين علي الجانبين‏,‏ في ألمانيا علي تقديم تنازلات‏,‏ وفي جنوب أوروبا لمواجهة حدة المشكلة‏,‏ عقبة كبيرة أمام التوصل إلي حل طويل المدي قابل للتنفيذ‏.‏
ووصفت صحيفة دير شبيجل الاتفاق بأنه هزيمة لألمانيا قائلة إنها رضخت لمطالب بشروط أقل صرامة لحزم الإنقاذ‏,‏ وتقديم الدعم للبنوك مباشرة‏.‏
كما أوضح سايمون ديريك من مؤسسة بي‏.‏ إن‏.‏ واي ميلون أنه من الواضح أن الاتفاق جاء رغما عن ألمانيا‏,‏ نتيجة لذلك تبدو ألمانيا منعزلة سياسيا‏,‏ ونفترض أنها حانقة للغاية‏,‏ وتبدو هذه تركيبة خطيرة‏.‏
وكشف بيتر اتواتر رئيس شركة فايننشيال انسايت للاستشارات الاستثمارية في بنسلفانيا عن أن الانفصام بين الرأي العام والتوافق السياسي ليس غريبا في أوروبا في وقت تشعر فيه الشعوب بالقلق بشأن مستقبلها السياسي‏.‏
ويمكن رؤية ذلك علي الجانب المقابل من المحيط الأطلسي أيضا‏,‏ وهو الأمر الذي تشي به مؤشرات مثل تراجع ثقة المستهلكين الأمريكيين‏,‏ ومشكلات سياسية مستعصية في الساحة السياسية الأمريكية‏,‏ وصعود حركات احتجاجية مثل حزب الشاي‏,‏ واحتلوا وول ستريت‏,‏ وهي أمور كلها قد تعقد عملية صناعة السياسات‏.‏
وبالرغم من ذلك فإن عدم التيقن بشأن ما ستنتهي إليه أزمة الديون الأوروبية يبقي المستثمرين قلقين من زيادة الاستثمارات في اليورو أو في أي أصول أخري تابعة لمنطقة اليورو‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.