الصحافة هي السلطة الرابعة.. صك هذا التعبير أحد رواد صحافتنا وثقافتنا الدكتور محمود عزمي( توفي سنة1954) وواضع أول قانون لنقابة الصحفيين.. الذي رحل عن دنيانا في الأممالمتحدة وهو يدافع عن القضية الفلسطينية بهذا التاريخ. وهو الليبرالي الذي عرفنا بمظالم الفلسطينيين في ثلاثينيات القرن الماضي, كان أقرب أصدقائه صاحب التمهيد شيخ الأزهر الجليل مصطفي عبدالرازق.. عبر صحافتنا كانت معارضة الملوك.. فحوكم احمد حلمي صاحب الميدان سنة1901 بأول جريمة عيب في الذات الملكية حين كتب مقالا بعنوان الديكتاتور الفرد اعتبر الملك نفسه المقصود به, وعلي صفحاتها حملت نهضتنا الحديثة بدءا من رفاعة الطهطاوي وحديثه عن الأخوة الوطنية وعبدالله النديم وجمال الدين الأفغاني وأديب إسحاق والغناء للحرية التي وجد الشوام فيها الواحة والراحة لهم... وعبرها كانت الدعوات لإقامة أول برلمان مصري علي صفحات المؤيد ل علي يوسف والرحلة البرلينية ل حسن توفيق العدل, وعبرها كانت الجمعية التشريعية سنة1908 وعبر صفحاتها تبارت نخبتنا جميعا في صناعة دستور سنة1923.. وكان التمهيد لثورتي سنة1952 وثورتنا النبيلة في25 يناير.. لا ننكر أن لكل قاعدة شواذها ولكن لكل مهنة قانونها ولكن حرفة صناعها ولا يصح أن تدار مهنة من خارجها.. فلا يصح ان يكون الفقيه مهندسا ولا القانوني طبيبا ولا غير الصحفي صحفيا! لست أعلم سببا منطقيا لهذه الغيلة المتسرعة لابتلاع الصحافة التي أسرع إليها مجلس الشوري ذو الأغلبية الإسلامية في توجههم لتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية, رغم ان أغلب رؤساء تحرير الصحف القومية تم تعيينهم بعد الثورة, ولا يصح وصفهم بأنهم فلول!! أو من أنصار النظام السابق! كما هتف مؤيدو التدخل عند نقابة الصحفيين في وجه المناوئين لهذا التدخل السافر والمتسرع! ألم يجد مجلس الشوري شيئا مهما أو أكثر أهمية من تغيير من أتت بهم الثورة أو أبقتهم كفاءتهم.. غير التدخل في شئون الصحافة, بينما لم ينته بعد مشروع الدستور الذي قد تتغير فيه وضعية هذه الصحف وملكيتها ولم ينته سجال قانوني وسياسي أعم وأهم من ذلك غير المنطقي... لا أنكر انه قد امتلكني الغضب من هذا القرار.. أهي رغبة باكرة في ابتلاع السلطة الرابعة, حتي تتحول بوقا للحاكم الجديد والرئيس المنتخب الذي احسبه انه لا يقبل ذلك.. فكل شيء إلا التدخل في شئون الصحافة وحرية التعبير.. كل شيء إلا صنع الولايات.. خضع مبارك وتفهم في النهاية وأسقط قانون الصحافة المشبوه سنة1994.. ولم يتجرأ نظامه علي القمع المكشوف لصوتها الذي نشط قوميا وغير قومي في نقد نظامه ممهدا لثورة الخامس والعشرين من يناير! وحري برئيس مصر المنتخب بغض النظر عن انتمائه الفكري موقف أعظم وأجرأ من ذلك.. لا تدخل في شئون الصحافة ومساعدة أهلها علي تحسين حالها.. حتي تعود كما كانت رائدة في فضاء عربي صارت الآن تعاني في اللحاق به! كنت آمل أن أشهد مليونية من أجل الدستور الذي يحاول البعض اغتيال مدنيته إصرارا علي فهم ظاهري وحشوي للشريعة دون أن يحددوا مفهومها الذي اختلف حوله السلف أنفسهم! وهل هي الفقه أم كل الدين أم قطعي الدين أم ظنياته أيضا! وهل هي تصور أيديولوجي لها أم ان المبادئ الكلية للدين هي المفهوم الأصوب والأقرب للشريعة ذاتها.. ولكن لم أشهد فقد حل الثوار أنفسهم وانشغل بعضهم الآخر بنجوميته! كنت آمل ان أشهد كذلك مليونية تدافع عن صحافة حملت نقد الرئيس والنظام السابق حين كانت التنظيمات والجماعات تنتظر رضاه, ومن الظلم ان نعتبرها كانت بوقا له فقد ضمت دائما معارضين ومفكرين سيظل تاريخنا الصحفي والفكري يذكرهم.. ومازالت تنجب كل يوم مواهب جديدة تحملها وسائط التواصل الاجتماعي وتطورت أدواتها جميعا مع هذا التحدي الجديد نسبيا! ولكن لم يحدث! إن هذا القرار بداية زكية لوأد النقد ووأد حرية التعبير وتتصاعد المخاوف منه مدنية وقبطية وفكرية أقوي من تطميناته المعلنة.. ومن هنا نقول البداية خطأ ولابد من التصويب الذي قد يأتي قضائيا ويا حبذا لو أتي إجرائيا سنظل نتمني وسنظل نثور.. رفضا أن يتدخل المرء فيما لا يعنيه استقلالا دائما لحرية الرأي والتعبير في مصر بعد الثورة أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر بالعقل, غفر الله لنا ولكم!