نسجت أشعة الشمس خيوطها علي الأسطح وواجهات البيوت, راسمة ظلالا ضعيفة جديدة لكل ماتقع عليه, وصاحت الديوك بصوت متحشرج حزين معلنة بداية يوم جديد علي أهالي نجع الصياغ بمنطقة السواقي شرق السكة الحديد بالأقصر, وبدأ أصحاب المهن والأشغال يتوجهون لأداء أعمالهم بشكل ميكانيكي كما عودتهم أقدامهم وطرقاتهم كل يوم. ومرت ساعات الصباح علي البلدة بشكلها الروتيني المعتاد ولم يلحظ حكماؤها أي حدث غريب خلالها إلا صوت الديوك الحزين وصياحهم في الشروق حتي كانت الساعة الثانية ظهرا حين عاد هاني الموظف بإحدي الشركات إلي منزله حاملا أكياس الفاكهة وبطيخة كبيرة, كما أوصته جميلة الجميلات الأميرة الصغيرة جولي ذات الأربع شمعات, كما تحب أن تناديها زوجته المحامية المشهورة بالبلدة ماجدة وحدثته نفسه قبل أن يضع المفتاح بباب شقته أن الله يحبه لأنه حباه هذه الزوجة الوفية وبأذكي أطفال العائلة ابنته جولي ولكن القدر كان له رأي آخر, فعندما وضع مفتاحه تعثر داخل القفل فتسارعت دقات قلب هاني وهو لايسمع أي صوت داخل الشقة وأخيرا بعد محاولات مضنية رضخ الباب أخيرا وانفتح وليته ما اتفتح, شعر هاني أن يدا باردة قاسية اعتصرت قلبه فجأة وأن روحه خرجت منه وأنفاسه توقفت وشعر باختناق شديد وتمني لو فارق الحياة في لحظته, فقد غاصت قدماه في بحر من الدماء تغطي الأرض ولا أثر لأي صوت هرع الزوج إلي غرفة النوم مكذبا ما رآه وتمني لو أنه يحلم وداخل غرفة النوم وجد زوجته ملقاة علي الأرض غارقة في دمائها وبها طعنات في الرقبة والبطن. كما وجد طفلته جولي مذبوحة وملقاة علي السرير, لم يدر هاني بنفسه فقد أظلمت الرؤية أمام عينيه وفقد النطق وحملته قدماه اللتان لم يكن يشعر بهما حتي الهاتف وأتصل بالشرطة وخاله وأخطرت النيابة وباشرت التحقيق. وتبين من المعاينة المبدئية للنيابة عدم وجود كسر في أبواب الشقة, وذكر ضابط المعاينة أن هناك دلائل علي مقاومة المجني عليها للقاتل رغم جسدها الضعيف ويتضح من ذلك آثار المقاومة المنتشرة في جنبات الشقة ومن آثار الدماء في كل مكان وأنه يرجح أن القاتل بعد أن قتل الأم أنفرد بعد ذلك بالطفلة الصغيرة وطعنها في منطقة الحنجرة حتي لاتصرخ وبعد ذلك قام بذبحها حتي أن الرأس قاربت علي الانفصال عن باقي الجسد. ووقع خبر الحادث علي الأهالي كالصاعقة وبكي كل من كان يلاطف ويحب جولي المشهود لها بالذكاء وجن جنون الزوج المكلوم. وقال أحد الجيران للنيابة ان القتيلة وزوجها وابنتهما أناس بسطاء لايحمل لهم أي فرد من الجيران أي عداوة وأن الطفلة جولي كانت تتمتع بالذكاء الخارق ولايستبعد أن تكون قد تعرفت علي القاتل لذلك ذبحها ليتأكد من موتها. وبعد جهود مصنية لرجال المباحث دلت التحريات علي أن مرتكب الواقعة عامل أجري أحد جيران القتيلة يدعي ضياء ذكر أحد الجيران للمباحث أن المجني عليهم نشبت بينها وبين المتهم مشاجرة بسبب خلافات الجيرة قبل الحادث بأيام, وقامت المجني عليها بسبه مما يرجح أنه أنتقم بقتلها وطفلتها للثأر لكرامته. وبعد تضييق الخناق عليه قام المتهم بتسليم نفسه للنيابة وفي التحقيقات الذي باشرها أحمد عاطف غوشي وكيل أول نيابة الأقصر وبإشراف المستشار محمد فهمي المحامي العام لنيابات الأقصر أنكر المتهم صلته بالحادث تماما وبمواجهته بتحريات المباحث أعترف بارتكابه للحادث وأنكر قتله للطفلة. وقال وجهت للقتيلة ثلاث طعنات وتركتها ثم نزلت إلي مستودع مياه غازية أسفل العقار أمتلكه وقمت بإحداث إصابة في يدي ثم استدعيت اثنين من العمال ليذهبا بي إلي مستشفي الأقصر العام وتم علاجي ثم عدت ووقفت مع أهل المجني عليها ورجال المباحث لأنفي صلتي بالحادث. وفي هذا السياق أكد العميد أحمد عبد الغفار مدير المباحث الجنائية بالأقصر أن القتل كان بهدف السرقة, حيث أكد الزوج أن هناك حلي مفقودة من الذهب وغير موجودة داخل مسكنه, ومع انتهاء التحقيقات لم يجد هاني أمامه بدا من إطباق الجدران عليه سوي باستدعاء ضحكات المحامية البارعة زوجته الفقيدة والجميلة الذكية جولي الذي يري ابتساماتها في كل مكان وتيقن أن السارق لم يسرق ذهبا وإنما سرق فرحته.