أثارت استطلاعات الرأي العام بشأن الانتخابات الرئاسية التي تجري بعد أيام سواء تلك التي تنشرها الأهرام أو تلك التي تنشرها مؤسسات وجهات أخري. الكثير من التساؤلات والتخوفات أحيانا بدت في تقديري مشروعة ومبررة, ولكنها أثارت أيضا موجة من الهجوم والتشكيك قادها بعض المرشحين وقطاعات عديدة من النخبة ووسائل الإعلام بما لا يمكن تبريره أو تفهمه, وكم كان لافتا للنظر أن المرشحين والتيارات السياسية التي جاءت نتائج تلك الاستطلاعات في غير صالحها هي التي شنت موجة الهجوم والتشكيك ليس في قدرة المؤسسات علي إجراء الاستطلاعات بل في أهلية الشعب المصري للتعبير عن رأيه في مثل هذه الاستطلاعات علي نحو ما يجري في كل دول العالم, علي اعتبار أن ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع يعني صعوبة إن لم يكن استحالة الاعتماد علي ما يؤدي إليه ذلك من تأثير علي نتائج الاستطلاعات, فإن ما لا يمكن إنكاره أيضا أن هؤلاء المصريين بصرف النظر عن نسبة الأمية التي يعانون منها هم الذين سيقفون أمام صندوق الانتخابات ليدلوا بأصواتهم لتحديد نتيجة للتأثير المتوقع لنتائجها علي قرار الناخبين خاصة الذين لم يحسموا قرارهم بعد للتصويت لأي من المرشحين وهؤلاء الذين لا يعرفون حتي اللحظة لمن سيصوتون. من المعروف أن نشر نتائج لاستطلاعات الرأي العام التي تشير إلي تقدم أو تفضيل مرشح أو تيار سياسي مقارنة بالآخرين, غالبا ما يدفع الرأي العام في الاتجاه ذاته, أي تفضيل ذلك الحزب أو التيار وهو الأمر الذي يجد تفسيره في واحدة من النظريات في مجال الدراسات الإعلامية المعروفة باسم نظرية دوامة الصمتSpralofslence التي تقرر أنه حين تتبني وسائل الإعلام اتجاها ثابتا ومتسقا من إحدي القضايا لبعض الوقت, فإن الرأي العام يتحرك في الاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام نفسها,كما أن الأفراد حين يدركون أن آراءهم لا تحظي بالتأييد من جانب الآخرين يفقدون الثقة ويؤثرون الصمت, باعتباره البديل الأقل تكلفة وليس باعتباره البديل المفضل أو المريح لهم, وحيث إن وسائل الإعلام تشكل المصدر الرئيسي المتاح لهم للحصول علي المعلومات, فإنهم يعتمدون عليها في تشكيل آرائهم علي اعتبار أن ما تنشره تلك الوسائل يشير إلي الاتجاه العام أو الاتجاه صاحب الأفضلية في الفوز, وهو تصرف يبدو منطقيا من قبل الأفراد العاديين الذين يريدون أن يكون لصوتهم تأثير ما خاصة أولئك الأفراد الذين ليس لديهم موقف أو رأي مسبق ويتطلعون إلي وسائل الإعلام لتكوين رأي معين يفضلون عادة أن يكون في مصلحة من يجمع عليه الآخرون, إذ يتصور كل فرد أن ما أجمع عليه الآخرون غالبا ما يكون الخيار الأصلح علي اعتبار أنه لا يمكن أن يكون هؤلاء الآخرون الذين يتصورهم أكثر دراية منه علي خطأ تام. وفي الواقع, فإنه رغم أن التخوف من التأثير علي توجهات الرأي العام وارد, فإن الحقيقة أيضا أن ذلك هو حال استطلاعات الرأي العام في كل دول العالم, والتخوف من هذا الأثر يعني عدم الاعتماد مطلقا علي آلية استطلاعات الرأي العام, يبقي السؤال إذن, هل تصدق توقعات استطلاعات الرأي العام؟ والإجابة هنا أنه في الدول التي قطعت شوطا طويلا علي طريق الديمقراطية واستطلاعات الرأي العام غالبا ما تصدق توقعات الاستطلاعات رغم وجود حالات شهيرة للفشل, مثل فشل مؤسسة جالوب العريقة في توقع نتائج الانتخابات الأمريكية في عامي1948 و1976 وفشلها أيضا في توقع فوز أوباما بتمثيل الحزب الديمقراطي, وفي كل الأحوال, فإن الأمر يتوقف علي اتباع كل المعايير العلمية المتعارف عليها لإجراء الاستطلاع, ومدي تغير الظروف ما بين يوم وإجراء الاستطلاع ويوم الانتخاب نفسه, وهنا فإن ارتفاع نسبة المشاركة الفعلية في الانتخابات يتضمن إلي حد بعيد أن تأتي النتائج الفعلية أقرب إلي ما تشير إليه الاستطلاعات. وفي كل الأحوال فإن استطلاعات الرأي العام, كما في مصر كلها, قد دخلت منذ الثورة امتحانا عسيرا وبدأت مشوار يجب علينا جميعا ألا نتخلي عنه أيا كانت النتائج, فلكل مسيرة بداية ولتكن الانتخابات الرئاسية حاليا هي البداية, وأيا كان الخطأ فيها, سواء في الاستطلاعات أو حتي في اختيار الناخبين أنفسهم للرئيس, فإنها لن تكون النهاية, وستظل الفرصة سانحة دائما للتعديل والتطوير. [email protected]