صرخة مدوية أطلقها أكثر من ستمائة طفل وسيدة ورجل مسن من أسر العاملين بمديرية ري أسيوط وذلك بعدما تلقوا تهديدات وإنذارات متلاحقة بطردهم من مساكنهم الي الشارع وتشريد أطفالهم وأسرهم دون توفير البديل المناسب أو غير المناسب لهم بالرغم من حقهم الشرعي في البقاء بمساكنهم التي أقاموا بها منذ أكثر من سبعين عاما وبعضهم تعدي المائة عام وذلك لأنهم قاموا باستئجار تلك المساكن بعقود رسمية من مصلحة الري مقابل مبلغ مالي محدد كان يتم خصمه بصفة إجبارية من الراتب ولكن رغبة البعض من العاملين الجدد في الحصول علي تلك المساكن أعمت مسئولي الري عن الحقيقة القاسية التي تكمن في تشريد مئات الأسر التي لاحول لها ولاقوة خاصة أن معظم تلك الأسر قد أحيل عائلها الوحيد الي سن المعاش القانوني وبعضهم تخطي الثمانين عاما ولايقدرون علي معاناة التشرد في شوارع أسيوط والبعض الآخر قد توفي وترك المعاناة لزوجته التي باتت أرملة وحيدة ومسئولة عن تربية أبنائها القصر والذين ليس لديهم دخل سوي المعاش الذي لايكاد يكفي حاجة الزاد وليس متطلبات الحياة الأخري التي تعاني منها جميع الأسر في مساكن الري. والغريب في الأمر أن هناك تضاربا غير طبيعي في القرارات فقد أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء من قبل قرارا بعدم اخلاء هؤلاء العاملين لمساكنهم قبل توفير البديل المناسب لهم ومن ثم حكم محكمة القضاء الإداري دائرة الموظفين برئاسة المستشار فاروق فهمي ضيف رئيس محكمة مجلس الدولة في توقيت صدور القرار عام1996 م ولكن بغرابة شديدة أرسلت الإدارة العامة لري أسيوط خطابات وإنذارات لأهالي مساكن الري تطالبهم بالإخلاء الفوري وإلا استخدام القوة الجبرية ضاربة بالقرارات والقوانين والأحكام عرض الحائط وفي المقابل احترم مسئولو الري بأسوان تلك القرارات السابقة وقرار وزير الري الصادر برقم134 سنة2001 وقاموا ببيع تلك المساكن بالفعل الي ساكنيها بالتعاون مع المحافظة. وكل ما يتمناه هؤلاء الأهالي البسطاء هو قرار جريء من وزير الري بالمعاملة بالمثل أسوة بأهالي مساكن الري بكوم أمبو بمحافظة أسوان حيث أصدر السيد وزير الري قرارا سابقا بتملكهم تلك المساكن من خلال محافظة أسوان بعد تقديرها وتحديد قيمتها ومن ثم تقسيطها للأهالي لينهي بذلك سلسلة من المعاناة عاشها أهالي أسوان وكل الأمل في الوزير الحالي في أن ينهي مأساة أهالي أسيوط خاصة أن سعر متر الأرض في أسيوط وصل الي30 ألف جنيه ولايستطيع أحد من الأهالي السكن بالخارج. بدأت أحداث القصة المؤسفة كما أكدها الاستاذ نادر مصطفي عبدالكريم محامي وأحد الأهالي المقيمين بتلك المساكن عندما صدر قرار من الإدارة العامة بمصلحة الري بأسيوط عام1985 يطالب الأهالي بضرورة الأخلاء الفوري وترك المنازل معتمدين علي انتهاء مدة الخدمة لعدد من الموظفين المحالين الي المعاش ولكن الأهالي قاموا بالطعن علي هذا القرار التعسفي لعدم توافر البديل المناسب وتم قبول الطعن عام1989 ومنذ ذلك الحين هدأت الأوضاع تماما ولم يتحرك ساكن لمسئولي الري واستمررنا في تسديد قيمة الإيجارات المستحقة علينا وبعد مرور10 أعوام صدر حكم المحكمة الإدارية برفض الطعن المقدم حال وفاة جميع الطاعنين حيث توفي جميع الأهالي الطاعنين علي الحكم فانتهت صفتهم وانتقلت الي الورثة ومرة أخري هدأت الأوضاع عقب تأكد أحقية الأهالي في الإقامة بتلك المساكن ولكننا فوجئنا في عام2005 بصدور قرارات جديدة بالإخلاء ولجأ مسئولو الري الي أجهزة الأمن لتنفيذ الإخلاء الجبري ولكن أجهزة الأمن قامت بإجراء دراسة أمنية مستفيضة لعمليات الإخلاء وأسفرت عن وجود مخاطر بالغة في حالة التنفيذ لعدم وجود المسكن البديل للأهالي وعقب ذلك قام الأهالي بإرسال عدة شكاوي الي لجنة الزراعة والري بمجلس الشعب وفي استجابة سريعة أوصت اللجنة بسرعة وقف كل إجراءات الاخلاء لسكان مساكنأسيوط حفاظا علي أسرهم من التشريد, وبعد مرور خمسة أعوام فوجئنا بسيل من قرارات الاخلاء وكان آخرها في يناير2010 مهددين جميع الأهالي بالإخلاء الجبري ولم يجد الأهالي حلا أمامهم سوي اللجوء الي عمل استشكال في محاولة لوقف تنفيذ تلك القرارات كما تمت إقامة دعوي قضائية مدنية لإثبات العلاقة الايجارية استنادا الي تعاقدات شركات الكهرباء والمياه والتليفونات بصفة شخصية مع الأهالي واثبات الوضع الظاهر للإقامة بالمنازل. ويضيف المهندس محمد محمد إسماعيل مدير عام سابق بالمعاش وأحد الأهالي المقيمين بتلك المساكن أن الأمر أشبه بالمسرحية الهزلية التي يقوم بإخراجها بعض مسئولي الري بأسيوط فبعد إجبارنا علي الإقامة بتلك الوحدات يريدون حاليا طردنا الي الشارع بدون أبداء أسباب مقنعة حيث أنني قمت في بداية تعييني باستئجار وحدة سكنية بالخارج مقابل خمسة جنيهات في عام1967 وكان مبلغا كبيرا في ذلك التوقيت ولكنه سكن دائم يصعب العثور عليه في الوقت الحالي وبعد عدة أشهر فوجئت بالإدارة تقوم بخصم مبلغ خمسة جنيهات من راتبي الذي كان يصل في ذلك التوقيت الي23 جنيها وذلك بحجه تخصيص وحدة سكنية لي في مساكن الري ورفضت في باديء الأمر ولكنهم استمروا في خصم قيمة إيجار الوحدة السكنية من راتبي بشكل إجباري وفي نهاية المطاف لجأت الي ترك مسكني الخاص والاكتفاء بمسكن الري بسبب النفقات الباهظة التي كنت أتكبدها جراء قيمة الإيجار واستمرت فترة اقامتي بمساكن الري بدون صعوبات حتي بلوغي سن المعاش وعقب ذلك فوجئت بقرار الاخلاء الذي يطالبني بترك منزلي وذلك في عام2001 م والسؤال الذي يرهقني حاليا أين أذهب أنا وأسرتي المكونة من زوجتي وأبنائي الثلاثة خاصة أن مصلحة الري حرمتني من الحصول علي وحدة سكنية في الوقت الذي كانت فيه الوحدات السكنية متوفرة بشكل كثيف وتطالبني حاليا بترك المنزل والبحث عن وحدة سكنية خاصة في ظل الحالة الاقتصادية السيئة والتي لا تضاهي الإيجارات الخارجية التي وصلت الي ألف جنيه في الشهر أي ما يفوق قيمة معاشي الحالي الذي لا يتعدي ألف جنيه فماذا أفعل وأين أذهب خاصة, أنني أصبحت مسنا ولا أقدر علي العمل في أي عمل حرفي آخر وأبنائي في مراحل التعليم المختلفة. ويشير المهندس بولس عطا الله هيرمينا 70 عاما الي أن الأمور تدهورت للغاية فلا نعلم لماذا يصر مسئولو الري بأسيوط علي إذلالنا والنيل من كرامتنا بالرغم من مواقعنا الهامة التي كنا نترأسها قبل بلوغنا سن المعاش حيث صدر قرار تكليف اجباري لي للعمل بالري عام1964 م وتدرجت بالمناصب حتي وصلت الي وظيفة مدير عام الإدارة العامة لتوزيع المياه في وجه قبلي وكنت دائم الحركة من أسوان حتي الفيوم بحكم وظيفتي المسئول الأول عن توزيع المياه والاطمئنان علي وصولها لجميع محافظات الصعيد حتي الدلتا وكان لذلك المنصب حساسية ووضع اجتماعي وكان الجميع يقدرني ورغم الإرهاق البدني الذي كان يلازمني إلا أنني كنت أؤدي عملي وواجبي وأفنيت عمري طوال40 عاما مدة الخدمة وبالرغم من ذلك كان خير تكريم لي من مصلحة الري استدعائي من حين الي آخر علي يد مخبر أو مجند للمثول أمام نقطة الشرطة كالمتهمين ويتم التعامل معنا علي إننا مغتصبون لحق الحكومة فهل هذا تكريم لنا من الدولة أن يتم استدعاؤنا من حين لآخر بالرغم من ظروفنا الصحية التي تدهورت بحكم كبر سننا الي أقسام الشرطة والأكثر من ذلك تهديدي أنا وأسرتي بالتشريد في الشارع بالرغم من عدم تقصيري في عملي. ويوضح محمد محمود أحد الأهالي أننا لم تقتصر في شئ تجاه مديرية الري فلقد أعلنوا عن إنشاء جمعية اسكان مهندسي الري والعاملين ولم نتوان لحظة واحدة وبادرنا بالاشتراك من خلال سداد مبلغ خمسمائة جنيه بإيصال مختوم في عام1999 م بهدف الحصول علي وحدة سكنية ولكن تعثر الجمعية والاستيلاء علي الأراضي المخصصة للجمعية بمعرفة المحافظة التي تصرفت فيها بالبيع للجمعيات الأخري وحرمت أعضاء جمعية الري من الحصول علي وحدة سكنية كانت ستنجدنا من المأساة التي نتعرض لها حاليا وكل ما أرجوه من مسئولي الري أن يبحثوا عن الأراضي الأخري التابعة لمصلحة الري والتي يتمتع بمنفعتها من هم لا يمتون الي الري بأي صلة وليسوا أبناء المصلحة وأذكر علي سبيل المثال فيلا محافظ أسيوط وكذلك فيلا مدير أمن أسيوط وغيرهما من المساحات الشاسعة التي تركها مسئولو الري ويبحثون عن الأكواخ أو العشش التي يتعايش بها الأهالي المغلوبون علي أمرهم.