يري باحثون وعلماء أن أي نظام للتعليم والتدريب والتأهيل لا يمكن فصله عن النظام الاجتماعي والمستوي الثقافي السائد في المنطقة المطبق فيها ذلك النظام فالعادات الاجتماعية والثقافية تلعب الدور الحاسم في تشكيل النظام التعليمي والتدريبي والتأهيلي لأفراد المجتمع وهي تلعب كذلك الدور الأكثر فاعلية في إحداث المواءمة بمستوياتها المتفاوتة بين مخرجات ذلك النظام واحتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الشاملة في ظل ذلك نتحدث عن التجربة الماليزية الجديرة بالاهتمام وخاصة أداءها الفائق في مواجهات المتغيرات المحلية والدولية وتوظيف ذلك في حديثنا عن جودة التعليم ومواءمة مخرجاته لمتطلبات واحتياجات التنمية الوطنية. وخلال الأسبوعين الماضيين أتيح لي فرصة زيارة ماليزيا بدعوة من وزارة الثقافة المصرية فرأيت كيف يمكن لدولة كانت تنتمي لما يسمي بالعالم الثالث أن تتخلص من كابوس التخلف والتبعية وتصبح واحدة من الدول الصناعية المتطورة وإذا سألت كيف؟ سوف تجد الإجابة كالتالي، لقد خاضت ماليزيا تجربة ناجحة في التدريب والتعليم في العقدين الأخيرين لأنها انطلقت من بداية صحيحة تبنت سياسة التدريب علي أساس احتياجات سوق العمل الماليزي فقد تبنت الحكومة سياسة المشاركة بين القطاعين الحكومي والخاص لبناء استراتيجية قوامها الكفاءة الانتاجية والفاعلية في الوصول للأهداف والعدالة في توزيع الثورة بين الفئات العرقية في ماليزيا واستدامة وتحسين جودة السياسات والبرامج التدريبية في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية فالنظرة للتدريب في ماليزيا شاملة ولا تقتصر علي قطاع دون آخر حيث نجد التدريب لا يستثني أحدا بما في ذلك القرويون ليفتح لهم فرص العمل في قراهم للتقليل من الهجرة إلي المدن الكبيرة ولتحقيق العدالة الاجتماعية وخلق مجتمع متكامل. المسئولية مشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص في التجربة الماليزية التي نري نتائجها الإيجابية اليوم. في البداية كان التدريب في ماليزيا شأنا حكوميا رئيسيا لكن السياسات الحكومية المتعلقة بالتدريب تطورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة ليصبح للقطاع الخاص دور مهم وقد عزز ذلك أن الحكومة الماليزية اعتمدت التعليم والتدريب وسيلة لتوزيع الثروة بين مختلف الأصول العرقية في البلاد. ولأهمية القطاع الخاص في التدريب تبنت الحكومة الماليزية سياسة مشاركة القطاع الخاص في جميع نواحي التدريب بما في ذلك التخطيط للتدريب وتطوير مناهجه ووضع معاييره وتمويله وإدارة مراكزه والازدهار الاقتصادي الماليزي الحالي هو نتيجة لجهودها في الاستثمار البشري حيث نجحت في تعزيز نظام تعليمي قوي ساهم بفاعلية في عملية التحول الاقتصادي من قطاع تقليدي زراعي إلي قطاع صناعي حديث. بدأت الحكومة الماليزية في السنوات العشر الأخيرة بتشجيع القطاع الأهلي علي التوسع في التعليم والتدريب بينما بقي دورها واضحا في سن التشريعات والسياسات التي تنعش الاقتصاد الماليزي بما في ذلك سياسات التدريب فهي تعمل بمثابة المذلل للعقبات التي تواجه مؤسسات القطاع الخاص وهذه السياسة تتواءم مع العولمة الاقتصادية والتكامل والشفافية والانفتاح الاقتصادي الذي تطالب به منظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية الأخري. فالتجربة الماليزية في التدريب والتعليم مبنية علي المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص في تزويد صناع القرار بالمعلومات الضرورية لصنع القرار الحكومي في ما يتعلق بتنمية الموارد البشرية ولم تتنصل الحكومة الماليزية من دورها الرئيسي في التنمية الاقتصادية بل اعتبرت نفسها شريكا للقطاع الخاص في خطط التدريب، فالتدريب يعد حاجة ملحة للصناعات الماليزية التي تعتمد علي رأس المال المستثمر والقيمة المضافة. ماليزيا أذن نموذج تعليمي شرقي ناجح تقدم نفسها للعالم وخاصة بلد مثل مصر من أجل التأكيد علي جدوي الاستثمار علي رأس المال البشري الذي هو أهم عناصر العملية الإنتاجية فإلي أي مدي يمكن الإفادة من هذا النموذج؟!.