تبدي أن عددا من المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة لا سيما ممن ينتمون إلي ما يسميه البعض بالتيار الإسلامي علي الرغم أنه من طبائع الإسلام ذاته أنه ما من جهة أو جماعة من حقها تصنيف البشر الإسلامي أو غير إسلامي. فلا كهنوت ولا رهبانية في الإسلام قد دأبو علي ترديد عبارات دعائية بشأن عزمهم الأكيد علي تطبيق الشريعة الإسلامية حال فوزهم بالرئاسة!!!. وفي ضوء التفكير فريضة إسلامية مثلما ذكر كاتبنا الكبير عباس العقاد فإن كاتب تلك السطور يستميح القارئ الكريم عذرا ألا يضيق ذرعا من قراءة المقال بشأن هذا الموضوع شديد الحساسية أو من يسقط عليه أفكاره المسبقة بل ينظر إليه من زاوية الاجتهاد الذي هو عرضة أن يصيب أو يخطيء. فعندما كنت شابا في العشرين من عمري تملؤني الحماسة والفتوة كنت مقتنعا تام الاقتناع بأهمية تطبيق حدود الشريعة الإسلامية لتخليص المجتمع من الشرور وتخليق مجتمع مثالي غير موجود علي الأرض وفقا لبعض لتفسيرات لبعض الآيات الكريمة مثلما تراءي لي آنذاك ثم مرت سنوات عديدة أخري وأتيح لي فيها فرص سائحة للدراسة أحمد الله تعالي عليها كثيرا في الداخل والخارج مما ييسر لي سبل النظر إلي هذا الموضوع من زوايا عديدة سياسية واقتصادية وقنانونية واجتماعية ودينية فقد غدوت أكثر فهما بالضرورة لصحيح الدين وجوهرة وفلسفته بشكل أكثر عمقا وأفصح بيانا ومن ثم فلقد وجدت أن بعضا من الحديث حول تطبيق الحدود في إطار تطبيق الشريعة لا يستند إلي أسس واقعية وهو ما سوف أوضحه في النقاط التالية: أولا: الحدود هي جزء يسير من مجمل الشريعة الإسلامية ذكرت فيما يقرب من عشر آيات بالقرآن الكريم,.. فالإسلام رسالة ربانية نزلت للتوحيد ونشر العدالة وإعمار الأرض عبر التربية ونشر مكارم الأخلاق وتعظيم قيم العمل والسعي للعلم حيثما كان ومن قبل ذلك وبعده الإخلاص لله سرا وعلانية...., فهذا هو الهدف الرئيسي الذي يجب أن يستقطب كل الاهتمام وأكثر الاجتهاد شأوا, ومن ثم فإن التركيز علي شق واحد من جوانب عدة للشريعة الإسلامية يعد فاهما قاصرا مبتسرا لصحيح الدين. ثانيا: تطبيق الحدود وفقا للقواعد الإسلامية ذاتها هو أمر شديد الصعوبة قد يصل أحيانا إلي حد الاستحالة في إنزال العقوبة ففي حالة الزني علي سبيل المثال يلزم وجود أربعة شهود شاهدو الواقعة رؤية كاملة تتيح لهم القسم بأن حبلا ما كان ليمر بين الزاني والزانية.. حتي قيل أن الشهادة ثلاثة شهود فقط لا تقبل بل تستوجب إنزال العقوبة عليهم مالم يكن رابعهم بالمثل في واقعة السرقة فإن هناك شروطا عديدة مثلما يري بعض العلماء لتطبيقها أهمها ألا يكون السارق في عوز كبير أو أحتياج شديد أو أن يكون له شبهة ملكية في المسروق الذي يجب أن يكون محروسا وذا قيمة وغير ذك. ثالثا: بناء علي ما تقدم فأظن علي المجتمع أن يوفر أولا سبل التعليم والعلاج والزواج والدخل المعقول لجميع أفراده قبل أن يصل إلي تلك المرحلة التي يستطيع فيها تطبيق الشرعية عليهم. والخطأ الشائع هنا هو ترديد مقولة مؤداها أن الخلفية عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أوقف حد السرقة في عام المجاعة فالصحيح أن الخليفة رأي أن شروط تطبيق الحد مثل التي ذكرتها آنفا بشأن توفير الحد المقبول من الكفاية للفرد غير قائمة أصلا ومن ثم فلا يجوز تطبيق العقوبة فالضرورة تقدر بقدرها. فإلي حين نصل إلي تلك المرحلة من التطور المجتمعي يصبح الحديث عن تطبيق حدود الشريعة في غير محله ثم للتبقي قاعدة أن الحدود تبرأ بالشبهات فهذا القول المستنبط من رؤي الرسول( صلي الله عليه وسلم) كفيل بأن يمنع كثيرا من العنت في تطبيق العقوبات لا سيما أن تيارا رئيسا يري أنه لا يجوز توقيع العقوبة إن تاب مرتكب الجرم قبل اكتشاف أمرأة علي سبيل المثال. رابعا: نحن لا نعيش وحدنا بل أن جزءا أصيلا لا يتجزأ من مجتمعنا هم من الأقباط وهم ليسوا ضيوفا بل أصحاب بيت مثلنا وهؤلاء لا يمكن أن تطبق الشريعة الإسلامية عليهم فلا الإسلام ولا المنطق يقبلان بذلك فكيف سيكون إذن التعامل مع قضية مسلمين وأقباطا..؟!! هل يكن أن توقع عقوبات متبانية علي المسلمين وأخري علي الأقباط علي الرجم ذاته.. ؟!! أظن أن هذا الأمر بحاجة إلي اجتهاد كبير من فقهائنا وكذلك الحال فنحن لسنا جزيرة منعزلة في العالم بل نحن جزء منه نتأثر به ونتعايش معه ولقد تنامت معايير معينة للعقوبات بعضها قد يلائمنا وبعضها لا يتفق معنا مثل رفض وجود عقوبة الإعدام أو إباحة حقوق الشواذ وغيرها. ففي تلك المرحلة أري أن المؤامرة تجاه الداخل والخارج ومن قبلها وبعدها الصالح المجتمعي بأسره تستوجب تجنب المزايدات التي تستدر الإعجاب دون أن تستند إلي حقائق الأمور وأن نكتفي بالحرص علي عدم تعارض جملة قوانينا مع فلسفة الشريعة الغراء أخذا في الاعتبار أن حقيقة أن الإسلام صالح لكل عصر وزمان هو دعوة للاجتهاد وإعمال الفكر ولنتذكر أن بعضا من كبار المفكرين الإسلاميين ذكروا أن الحدود فيجوهرها تستهدف الردع والزجر وليس للتطبيق العشوائي. أكاديمي مصري