لايحتاج حريق البيت, بشكل يؤتي علي أهله ومقتنياته, سوي أن يغفل الأب قليلا عن إبنه العابث بأعواد الثقاب, لايتطلب الأمر سوي عقب سيجارة مشتعل.. ليأتي علي مبني شامخ مثل دار الأوبرا السابق بكل ألقه وتوهجه وماضيه , مثلما حدث قبل عقود, فمعظم النار من مستصغر الشرر. ومثل نذر شؤم لاحت في الفضاء الوطني, ترددت خلال الأيام الأخيرة بضعة تصريحات, موغلة في حمقها.. متوسدة في غيها, حملت في ثناياها تهديدات سافرة باللجوء إلي السلاح, وليس فقط الاحتكام للشارع, لنيل غايات سياسية بغض النظر عن نبلها أو مشروعيتها. فمن قائل إنه إذا ترشح نائب رئيس الجمهورية السابق فلابد من إعلان الجهاد المسلح ومن توعد علانية باغتياله, مثلما حدث مع رئيس الجمهوربة السابق, فلابد من إعلان الجهاد المسلح, ومن توعد علانية باغتياله, مثلما حدث مع الرئيس السادات وكأن أرض المحروسة باتت مستباحة لكل من هب ودب , ومن هدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تتم الاستجابة لمسعاه الذي يري أنه سيحمل الخير كل الخير لمصر!!! هؤلاء إما أسكرتهم نشوة السلطة, فغشيت أبصارهم وعميت بصائرهم, فاستعصي عليهم تقدير تبعات مارددته ألسنتهم, أو أنهم بالفعل قد حسموا أمرهم وعقدوا النية علي أن يسيروا مسيرة الفتنة لنيل مرادهم مهما تكن النتائج عليهم وعلي ذويهم وبلادهم, فلا مانع حينئذ أن تسيل الدماء أنهارا.. مقابل مصالحهم الذاتية ورؤاهم الايديولوجية,... هؤلاء, الذين باتوا في غيهم يعمهون, هم من ينشدون الزعامة ويبتغون المجد الشخصي, حتي لو كان الثمن جثة الوطن... وأن يتيتم أطفال وتترمل نساء..., ولايحتاج الأمر.. سوي تصريح حماسي هنا... وخطأ هناك, لتشتعل النار في البيت المصري بأسره!!. أفلا يتدبر هؤلاء حالة لبنان أم علي القلوب أقفالها؟. أم أن أكنة الجهل قد أحكمت رباطها حول عقولهم فعموا عن التبعات وأغفلوا النتائج, التي لن تستثني أحدا, بسبب مايعانونه من حمق مستعر. ولمن لايعرف فلقد كانت لبنان قبلة العرب الأولي وواحة الديمقراطية..., في ألقها وتوهججها, فإذا بها في منتصف السبعينيات تموج في حالات تجاذب سياسي وطائفي.. ثم يلي ذلك تصاعد الأقاويل الحماسية هنا وهناك.., ثم ليقع حادث...., سواء عن عمد أو جهل أو مصادفة, لتشتعل بعد ذلك حرب ضروس بين مختلف الفئات حتي عجز المراقب عن فهم من يقاتل من ولمصلحة من؟!.. ولتكتوي لبنان الجميلة بنيرانها لسنوات طوال لتحيلها إلي خراب بعد أن زرعت بذور الفتنة والشقاء في تربتها.., ولتغدو صالحة للإنبات مجددا بسبب أو بآخر.. ولربما حتي الآن!! أفهذا مانريده للوطن...؟ إن كانت الإجابة بنعم استنادا إلي قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة.., ولا بأس هنا من ترديد أقاويل حماسية مثل أن باب الحرية لابد أن يكون مضرجا بالدماء.. وتعديد محاسن الاستشهاد, إلخ..., فعلينا إذن أن نقلق كثيرا.. فطالما سار السائرون علي درب الفتنة. علي مدار التاريخ, وهم علي قناعة تامة.. بأنهم علي ثواب لتثبت الأيام بعد ذلك خطأ رؤاهم وضعضعة أفكارهم!!! علي عقلاء مصر ومحبيها ألا يسكتوا الآن.. ألا ينشدوا السلامة أو التقية.. فالوضع الراهن الان ببلادنا شديد الخطورة.. فهناك ملايين من قطع السلاح الخفيف وفوق الخفيف قد تسربت عبر الحدود الشرقية خلال الأشهر الفائتة.., فليعلنوا إذن إدانتهم كاملة بلا مواربة أو ميوعة فكرية لكل من يدعو للعنف مهما تتوهج الأهداف وتستعر الرغبات لنوالها.. فدماء مواطنينا غالية بل هي أغلي مانملك ولاينبغي أن نسمح لهؤلاء ومنهم المتاجرون بالدين أو الوطنية أن يجروا البلاد إلي أتون مشتعل.. لايعلم أحد كنهه ولا أغواره ولا كيفية الفرار منه.. الإدانة الكاملة من مثقفي مصر, بل ورجالها ونسائها, لأي مسعي لاستخدام العنف هي إذن الرادع الوحيد لأي حمق أو رعونة... وهي وحدها الكفيلة بتحذير من يقعون فريسة لحمقهم أو رعونتهم من أن المجتمع بأسره سوف يلفظهم إن هم ساروا علي طريق الغي. فمصلحة الوطن الآن.. تقتضي صدق الكلمة حتي وإن كان الثمن الامتناع ولو قليلا عن إرتداء أسمال البطولة الزائفة أو غطرة الاعجاب الزائل.