في منطقة ريفية نائية بمحافظة البحيرة والرياح تكاد تعصف في بهيم الليل جنبات( خص) مظلم مصنوع من البوص وجريد النخل يقع علي حافة مصرف عفن. يجلس في أحد أركانه إبراهيم يرتعش ليس فقط من شدة البرد ولكن خوفا من أن يتم القبض عليه باعتباره مجرما هاربا ومطلوبا للنيابة العامة بتهمة المشاركة في جريمة قتل, يتنهد إبراهيم بحرقة فتخرج أنفاسه ساخنة يكاد لهيبها يحرق أركان المكان وهو يتذكر رفيقه أحمد الشيطان الذي وسوس له يوما طالبا منه مشاركته في خبطة العمر لسرقة مصوغات وأموال الحاجة سمارة احدي عميلاته والتي يوصل لها يوميا حصتها من الخبز باعتبارها مشتركة في مشروع توصيل الخبز للمنازل الذي يعمل فيه أحمد والذي بحكم عمله كان دائم التردد عليها وفي كل مرة يشاهد الذهب الذي يغطي يديها ويتدلي من رقبتها وصدرها, فيسيل لعابه ويوسوس له شيطانه, ويطن صوت الشيطان زاعقا في اذنيه قائلا له ومرسخا الشر في وجدانه, انها سيدة وحيدة لا يسكن معها أحد وقد اطمأنت له واعتبرته ابنها وكانت تعطف عليه وتمنحه الهبات والعطايا والاكراميات في كل مناسبة فلماذا لا يستغل هذا الوضع ويستولي علي ممتلكاتها ومصاغها ولان أحمد كان يريد ونيسا وشريكا فقد عرض علي إبراهيم تلك الخبطة مزينا له سهولة تنفيذها وانهما بعدها( حيعلوا لفوق فوق قوي) وارتعشت أطراف إبراهيم ولم تفلح بقايا الملابس التي يرتديها في وقايته من البرد الذي يتسلل من بين جنبات الخص الذي يقبع فيه, ومع ارتعاش جسده يتذكر اليوم الذي وافق فيه زميل الشر علي مشاركته في تلك السرقة وكيف انه رافقه وهو يوصل الخبز لتلك السيدة ومع كل زيارة لها تترسخ في ذهنه فكرة السرقة ويتخيل نفسه بعدها في وضع معيشي أفضل من الذي يحياه بعد أن يستولي علي ممتلكات ومجوهرات تلك السيدة التي وثقت فيه, وبات الاثنان الشيطان وتابعه يدبران ويحلمان وينتظران يوم التنفيذ, وفي تلك اللحظة من ذكرياته كأنما كان للسماء رأي فيما حدث, فقد غرق الخص في ظلام دامس واختفي الضوء البسيط الذي كان بنبعث من القمر خلف سحابة قاتمة سميكة أمطرت بعدها السماء وكادت تغرق الخص فانتقل إبراهيم من الركن الذي يشغله فيه إلي ركن آخر أكثر جفافا, وقد أخذ يردد مع نفسه( يا ريتني ماسمعت كلامه) ويعود بذاكرته إلي يوم التنفيذ حينما وصلا إلي شقة( الست سمارة) في منتصف الليل ولبسا أقنعة علي وجوهيهما وقاما باقتحام الشقة من شباك المنور ومنه لحجرة نومها التي تحتفظ فيها بمجوهراتها, حيث دخلا متسللين علي أطراف أصابعهما وفتحا الدولاب فاحدثا ضجة استيقظت علي أثرها سمارة وحاولت الاستغاثة بالجيران فهجما عليها وشلا حركتها وضغطا علي أنفاسها وأجهزا عليها بسكين كان بحوزتهما فماتت في الحال, وانتابتهما حمي التوتر والغيبوبة فجردا الشقة من الأموال والمجوهرات والموبايلات وما خف وزنه وغلا ثمنه, وحملا الغنيمة وغادرا المنزل وأخفيا المسروقات والأقنعة وسكين الجريمة في حفرة بباطن الأرض, ولأن القدر كان لهما بالمرصاد ولأنه لا توجد جريمة كاملة, وأن المجرم لابد أن يترك وراءه دليلا فقد احتفظا لنفسيهما من الغنيمة قبل دفنها بخاتمين من الذهب وتليفون محمول وتوجه أحمد لبيع الخاتمين لأحد محلات الذهب بمدينة قريبة من موقع الجريمة والذي تصادف أن به كاميرات ترصد الحركة بالمحل طوال اليوم فسجلت دخوله وبيعه للخاتمين وحصوله علي الثمن في اجراء روتيني يومي, ومرت الأيام وفريق البحث الجنائي الذي أمر اللواء ممدوح حسن مدير أمن البحيرة بتشكيله بقيادة العميد محمد الخليصي مدير المباحث الجنائية بعد اكتشاف واقعة قتل سمارة والتي ابلغت عنها ابنة شقيق زوج القتيلة, وقادت التحريات فريق البحث إلي محل الذهب الذي تم بيع الخاتمين به, وبعد أن تمت مراجعة شريط الكاميرا, تم التعرف علي اللص القاتل, وتم القبض عليه وبمواجهته بالوقائع, انهار واعترف وارشد عن مكان المسروقات والأقنعة وأداة الجريمة, كما اعترف علي شريكه إبراهيم الذي تمكن من الهرب ويعيش مطاردا, خائفا نادما يعاني الجوع والعطش وينتظر القبض عليه بين لحظة وأخري بعد ان أصدرت النيابة قرارها بحبس أحمد علي ذمة القضية, كما كلفت المباحث الجنائية بالقبض علي إبراهيم وهكذا سقطت سمارة ضحية لمن لا أمان له!!