عدالة السماء تنتقم من جحود الأب

ضاق عباس بمنزله بعد أن تقطعت به سبل العيش وأصبحت معيشته ضنكا عقب تركه العمل بعد افلاس التاجر الذي كان يعمل معه أجيرا باليومية وأصبح يعيش في نكد هو وزوجته.
ففي كل لحظة تمر تذكره زوجته بالمصروفات وبمنزله الذي بدا خاويا علي عروشه ولم تكن زوجته ممن يهونون مصائب الحياة بل ضخمت وهولت من فقره وعرته أمام نفسه حتي بدأ يفقد أعصابه أمام طفلته ندا التي لم تتجاوز الخامسة بعد‏.‏
وفي احدي لحظات الشجار المعتادة طفح الكيل بالزوجة التي بدت متمردة ولأول مرة منذ أن تزوجها وهددته بترك المنزل وترك الطفلة له لكي تكسر اغلال الفقر وتتخلص من عبودية الترابط الأسري الذي جعلها تقبل بفقر مدقع وزوج مطحون لا تجد بدا من مواجهته والعيش في كنفه بل والاستمتاع بالحياة تحت ظله البائس وفجأة فعلتها وتركت له الطفلة وذهبت إلي منزل أهلها بلا رجعة‏.‏
فكر عباس مليا قبل أن يتخذ قرارا برد الصاع صاعين لزوجته المتمردة‏,‏ ورغم تفكيره العميق بالخير والشر إلا أن دافع الانتقام كان الأكثر‏,‏ وكلمات وهمزات الشياطين كانت أكبر من كل خير بداخله حتي عقد النية والعزم علي الانتقام من الجميع من الطفلة ومن زوجته ومن نفسه ومن الدنيا بأسرها‏,‏ تلك الدنيا التي لفظته وادارت له ظهرها وتركته فريسة سهلة لفقر توحش من دماء البشر‏.‏
توجه عباس دون أن يدري إلي ترعة الإسماعيلية بجوار منزله بمنطقة الخصوص حاملا طفلته البريئة والتي كان قد أخبرها بأنه يصطحبها إلي والدته للتصالح معها واعادتها مرة أخري إلي المنزل بعد أن رأت ما حدث بينهما من شجار تركت الأم علي اثره المنزل ولم تلق توسلات الطفلة لها لكي تصحبها معها بالا لدي والدتها التي قابلت تلك المشاعر البريئة ببرود الثلج وثبوت الجبال وكأنها لا تقف أمام طفلتها وفلذة كبدها حتي فقدت الطفلة أي أمل في حنان الأم‏.‏
مر شريط الذكريات سريعا بعقل عباس من لحظة تفكيره في الارتباط بزوجته وأول نظرة وقعت عليها فيها عيناه حتي آخر كلمات رددتها زوجته في آخر لحظة تركت فيها المنزل‏.‏ وفي هذه اللحظة توقفت ذاكرته وبكل ما أوتي من قوة ألقي بطفلته في قلب الترعة وهرول مسرعا بعيدا عنها ولم تلتقط أذناه سوي صرخات طفلته ندا وهي تقول بصوت دافئ الحقني يا بابا ولم تر عيناه سوي جسدها الهزيل وهو يقاوم الماء لتتجلي قدرة الخالق ورحمته بعد أن عجزت عنها قوة البشر وملأ جبروتهم وقدرتهم علي الظلم ارجاء الأرض‏,‏ وكأن المولي أنزل ملائكته لإنقاذ الطفلة لتتعلق من ثيابها في فرع شجرة ليشاهدها أحد المارة فيهب مسرعا لنجدتها وتوجه بها إلي مستشفي المطرية وهي في حالة سيئة جدا‏..‏ وبعد أن عاد والدها إلي المنزل وأخبر اشقاءه بان ابنته تاهت منه في الطريق وبعد سويعات اعترف لهم بما فعله‏,‏ وبعدها انتابته حالة من البكاء الهيستيري ثم قام يتخبطه الشيطان من المس ليقفز من شرفة المنزل فلقي مصرعه في الحال وسط بركة من الدماء وصراخ من الأهل وعويلهم‏.‏
وبمجرد وصول الفتاة إلي المستشفي أبلغ مديرها اللواء أبوبكر الحديدي نائب مدير أمن القليوبية الذي أمر بتشكيل فريق بحث للعثور علي أسرة الطفلة وقد تبين له نشوب خلافات عديدة بين الأب والأم وان الطفلة مكثت بالمستشفي‏5‏ أيام في العناية المركزة في حالة إعياء تام وبعد تماثلها للشفاء قصت أمام المقدم محمد عادل رئيس مباحث الخصوص ما حدث ليحاول علي الفور ضبط الأب ولكن بعد بحث بلاغات المتغيبين كانت المفاجأة صادمة للجميع بل اعتبرها البعض معجزة بكل المقاييس بعد ان انتقمت عدالة السماء من والدها الذي ألقي بنفسه من شرفة منزل أشقائه بالقاهرة بعد ساعات من إلقاء طفلته في الماء واعترافه لهم بالواقعة وانه نادم علي ما فعله ليكفر عن ذنوبه في الدنيا أمام الناس ويكون سره أمام الله والعالمين يوم القيامة‏.‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*