رغم التسارع المذهل في التطبيقات المتعلقة باستخدام الإنترنت إلا أن وضع الواقع العربي لا يزال بائسا إلي حد كبير, ويبقي متخلفا عن الركب, بالقياس إلي التطورات السريعة والمتلاحقة في هذا المجال. رغم ما أحدثته ثورات الربيع العربي من انفتاح, لاحت بشائره في استخدام الفيس بوك وتويتر وغيرهما من شبكات التواصل الاجتماعي كاحدي أهم أدوات التغيير. وطبقا لإحصاءات حديثة, فإن المواقع التقليدية علي الإنترنت بدأت تفقد أهميتها لمصلحة مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر, كما أن الإعلام الرقمي شهد ازدهارا في المنطقة بعد الثورة المصرية, حيث حصلت زيادة بنسبة100% في استخدام الإنترنت. وهنا يشار إلي أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالمنطقة العربية شهد قفزة بنحو70% في عام2011, منتقلا من21 إلي37 مليون مستخدم,70% منهم من الشباب الذين تحولوا من الاستعمال الاجتماعي لهذه الوسائل إلي الاستخدام السياسي, في ظل مناخ الثورات العربية. وطبقا لتقديرات الاتحاد الدولي للاتصالات, يوجد أكثر من22 مليون مستخدم للإنترنت في مصر أي ما يوازي24% من تعداد السكان البالغ عددهم أكثر من85 مليون نسمة. وطبقا لموقع أليكسا فإن أكثر10 مواقع زيارة في مصر يأتي علي رأسها جوجل مصر وياهو وفيسبوك ويوتيوب. ويكفي أن نشير هنا إلي أن الوصول إلي850 مليون مستخدم لفيسبوك علي مستوي العالم احتاج إلي ثماني سنوات عبر الإنترنت, لكن عبر الجوال أمكن الوصول إلي425 مليون مستخدم في أربع سنوات, حيث تسارع إنتاج الهواتف الذكية, وصولا إلي إمكانية تحول الكرة الأرضية نفسها إلي كوكب ذكي. أظهر تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات أن حجم المحتوي العربي علي الإنترنت لا يتجاوز3%, وأن المملكة الأردنية احتلت المرتبة الأولي من حيث نسبة مساهمتها في صناعة هذا المحتوي. والحقيقة أن حجم المحتوي العربي علي الإنترنت لا يمكن مقارنته بالمحتوي الإنجليزي أو غيرها من اللغات العالمية, خاصة أن الجزء الأكبر من المحتوي العربي إما مترجم صرف أو مترجم بتصرف. وفي هذا السياق, تشير التقديرات إلي أن أكثر من46% من المحتوي العربي السعودي مثلا تركز في المجالات الطبية وما يتفرع عنها من موضوعات بيئية وصحية, تلتها مصر في هذا المجال10% ثم سوريا10%. وكانت الموسوعة الحرة'' ويكيبيديا'' قد دعت ضمن فعاليات مؤتمر قمة عرب نت2012 التي عقدت اخيرا في بيروت إلي تعزيز اللغة العربية علي الموسوعة الإلكترونية الحرة, وحثت الجميع علي المشاركة في بناء ويكيبيديا باللغة بالعربية. تطبيقات اللغة العربية وتعاني المنطقة العربية من ضعف وتراجع التطبيقات باللغة العربية مقابل لغات أخري كالإنجليزية, حيث لا تتعدي التطبيقات العربية علي الهواتف الذكية الألف تطبيق. من المتوقع ألا تبلغ طلبات الدول العربية علي أسماء نطاقات الإنترنت العليا الجديدة, والتي ستنضم إلي صفوف(com,ae,qa... إلخ),نسبة1%, وفق بيان لشركة دوت براند سولوشنزdotbrandsolutions الاستشارية في النطاقات, والتي تتخذ من دبي مقرا لها. كما ينتظر أن تعج الإنترنت بلغات جديدة, حيث يتم من خلال عمليات النطاقات الجديدة من المستويات العليا إتاحة إمكانية وضع أسماء نطاقات دولية باللغاتين الصينية والهندية وغيرهما. وقد ألقت تلك الثورة التكنولوجية الهائلة بظلالها وتحدياتها علي وسائل الإعلام التقليدية الأخري في العالم العربي التي بات عليها استيعاب الوافد الجديد. كما بات علي السياسيين وصناع القرار في العالم العربي إدراك أدبيات الإنترنت الجديدة ضمن خطابها للجماهير, فضلا عن وضع منظومة تشريعات تناسب العصر وتتفهم آفاق الحرية الجديدة, في مواجهة أنظمة الحكم. حرية التعبير ولعل التحدي الأبرز أمام الإعلام الجديد في العالم العربي يتمثل في حرية التعبير, حيث لم يفق الكثير من الساسة وصانع القرار وكثير من المثقفين من هول الصدمة التي أحدثها الإعلام الجديد وتطبيقات الإنترنت وقدرتها علي التغيير وحشد الناس في الشوارع وفضح أنظمة الحكم المستبدة وتعريتها. وفي هذا السياق, فإن الشركات التي تحتكر الإنترنت في العالم العربي وكانت وثيقة الصلة بأنظمة حكم عتيدة سقطت في العالم العربي, لا تزال تمارس دور حارس البوابة, وربما تحد من تدفق المعلومات, فضلا عن رفع تكاليف الخدمة والرقابة علي المحتوي. واخيرا, أعلن الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي يوم13 مارس من كل عام يوما وطنيا لحرية الإنترنت, ودعا بالمناسبة مجموعة من المدونين إلي القصر الرئاسي تكريما لهم لدورهم في الثورة, وحثهم علي تبادل الأفكار والمشاركة في بناء الديمقراطية من خلال النقد'' لأن هناك من يستمع لهم في هذا القصر. وقدم المرزوقي وسام الجمهورية الأول لعائلة المدون التونسي زهير اليحياوي الملقب ب''شهيد الإنترنت'', الذي توفي قبل سبع سنوات نتيجة التعذيب الذي تعرض له عندما كان معتقلا في سجون الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. وفي هذا السياق ثار اخيرا جدل بالشارع المصري حول مشاريع قوانين بالبرلمان لإجبار شركات الاتصالات علي حجب المواقع الإباحية, وهو ما اعتبره البعض مقدمة للرقابة علي محتوي الإنترنت والحد من تدفق المعلومات, رغم ما يحيط بتلك الدعوة من ضوابط أخلاقية لحماية المجتمع ولا يختلف عليها أحد. اللافت في هذا الصدد أن هذا الدور الرقابي, موجود أيضا في الولاياتالمتحدة التي توصف بأنها كبر حارس بوابة في العالم. وقد مارس نظام مبارك في أواخر أيامه دور حارس البوابة بشكل أكثر قسوة بقطع الإنترنت عن مصر في معركته الأخيرة ضد ثوار25 يناير. السلامة علي الإنترنت وخلال المؤتمر الإقليمي للسلامة علي الإنترنت, الذي عقد بالعاصمة القطرية الدوحة, اخيرا, رأي المشاركون أن جهود الدول العربية في مواجهة أخطار استخدامات الشبكة العنكبوتية لا تزال ضعيفة وعاجزة عن ملاحقة التغيرات السريعة التي يشهدها قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.وهنا تبدو جهود الحكومات العربية لمحاصرة مخاطر التجسس عبر الإنترنت وتهديد الفيروسات وغيرها من التهديدات الأخري لا تزال محدودة للغاية, مع عدم جدوي سياسات المنع وحجب المواقع بحجة حماية المستخدمين. اللافت هنا أن سياسات الحجب والمنع قد تؤدي لنتائج عكسية, حيث أتاحت التطورات المذهلة لتطبيقات الإنترنت لأي مستخدم يمتلك خبرة بسيطة أن يخترق أي حاجز, مع تحقق قاعدة الممنوع المرغوب. ولعل ما يزيد الأمر صعوبة في منطقتنا أن الدول العربية مجرد مستورد للتكنولوجيا, فضلا عن حداثة التعامل مع الشبكة العنكبوتية.