جاء قرار جماعة الاخوان المسلمين في مصر بترشيح نائب المرشد العام في الانتخابات الرئاسية ليزيد من لهيب الحالة السياسية بدرجة لم تكن متصورة من قبل, ويخلط الاوراق لكل المرشحين ويربك العارف قبل الجاهل. وإذا كان من حق أي مواطن مصري أن يرشح نفسه ما دام مستوفيا للشروط, فإن الامر بالنسبة لنائب المرشد العام يكتسب قطعا خصوصية شديدة. فالرجل هو أحد رموز الجماعة ويوصف دائما باعتباره القابض علي كل أعمال الجماعة الاقتصادية سواء في مصر أو خارجها, وهو بمثابة منظر فكري لها, ومنسوب إليه ما يعرف بخطة الجماعة في التمكن من حكم مصر إلي الأبد, تحقيقا للحلم الكبير لمؤسس الجماعة وزعيمها التاريخي الإمام حسن البنا. والسؤال الأن عن الأسباب التي دفعت الجماعة إلي التخلي عن وعودها التي كررتها مرارا من قبل بأنها لن تطرح مرشحا رئاسيا. وهي وعود كانت مفهومة في ضوء خبرة الجماعة في النقابات المهنية والعمالية, حيث كانت دائما تنافس علي عضوية مجلس الإدارة للنقابة ولم تنافس قط علي منصب النقيب. ولذلك بدا مفهوما أن الجماعة تنافس علي عضوية البرلمان وكذلك تطمح في رئاسة الحكومة, وفي افضل الأحوال سوف تساند مرشحا رئاسيا قريبا من أفكارها الكلية أو قابلا للتفاهم والتعاون معها مستقبلا, لا أن تطرح مرشحا منها. ثمة تفسيرات عديدة يمكن أن تقال في شأن التراجع عن الوعود السابقة, ومن وجهة الإخوان أنفسهم, فإن الأوضاع الراهنة تغيرت عما كانت عليه قبل عام, وبالتالي فليس هناك مفر من تغيير الوعود السابقة. وهنا لا يوجد توضيح معين لمعني تغير الأوضاع الراهنة, لكن العين الفاحصة تدرك وجود ثلاث مشكلات عميقة تواجه الجماعة الآن. الأولي تتعلق بموقفها المعادي للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهو الرمز الإخواني السابق, والذي أصر علي ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة علي عكس وعود الجماعة السابقة, فكان أن فصل ومعه من يجاهر بمساندته من أعضاء الجماعة. والظاهر أن الرجل استطاع أن يحقق في حملته الدعائية قفزات كبري وأصبح الآن أحد المنافسين الأساسيين ذوي الشعبية المتنامية. وبجانبه الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل الذي يحظي بتأييد تيارات سلفية كبيرة في المجتمع المصري, ويمثل أيضا رمزا إسلاميا قادرا علي المنافسة وربما الفوز بمنصب الرئيس. والأخير تحديدا ليس علي علاقة طيبة من حيث المحتوي الفكري مع جماعة الاخوان. وإذا تصورنا أن أحدهما فاز بمنصب الرئيس مستقبلا, وهو منطلق أصلا من موقف غير مريح للجماعة, فربما أدي هذا إلي التأثير السلبي الكبير علي وضع الجماعة ورموزها القيادية. ولعل هذا الاحتمال يفسر ولو جزئيا إقدام مكتب الارشاد علي اختيار الشاطر مرشحا لعله يستطيع أن يوقف زحف كلا من ابو الفتوح وأبو اسماعيل إلي سدة الرئاسة. أما المشكلة الثانية فهي مع المجلس العسكري, فهناك أزمة باتت معلنة قوامها رغبة الجماعة في إقالة حكومة كمال الجنزوري علي خلفية ما تراه الجماعة سوء الأداء وضعفه الشديد وتراكم المشكلات, في الوقت ذاته يرفض فيه المجلس العسكري هذا الطرح الاخواني ويتمسك باستمرار حكومة الجنزوري حتي نهاية الفترة الانتقالية وانتخاب رئيس جديد مع نهاية يونيه المقبل. غير أن كثيرا من المحللين يرون أن فكرة الأزمة بين الإخوان والمجلس العسكري لا تعكس حقيقة العلاقات بينهما, وأن ثمة تفاهم يقضي بوصول الجماعة إلي سدة الرئاسة علي أن تبقي مصالح المؤسسة العسكرية علي ما هي عليه في الدستور الجديد دون تغيير. ويدلل هؤلاء علي ذلك بأن المجلس العسكري اتخذ قرارا بالعفو عن خيرت الشاطر من القضايا التي حوكم عليها من قبل وأدين فيها, ومن ثم أفسح له المجال للدخول في المعترك الرئاسي بدون عوائق قانونية. وبالتالي فهناك صفقة ما بين المجلس والإخوان, وليس أزمة كما يشاع. وهنا تبدو عبارات مصدر قريب من المجلس مفيدة, إذ يقول أن الظروف الراهنة استدعت مثل هذا العفو ولم يزد في الشرح. وهو ما يعكس قدرا من التفاهم علي الخطوات المقبلة بشأن الرئاسة وما بعدها. ويجعل من هواجس الصفقة او لنقل التفاهم أمرا شائعا وقابلا للتصديق. المشكلة الثالثة هي بين الإخوان والقوي السياسية المختلفة لاسيما الليبرالية والمدنية, فضلا عن أهم مؤسستين دينيتين وهما الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية, وهم جميعا رفضوا الطريقة التي شكلت بها الأغلبية البرلمانية لحزب الحرية والعدالة الاخواني الجمعية التأسيسية للدستور الجديد, والتي أدت إلي غلبة التيار الاسلامي علي اعضاء الجمعية واستبعاد العديد من مكونات المجتمع المصري من المشاركة في أهم حدث معاصر, وهو صنع دستور يعكس التوافق الوطني علي نظام سياسي جديد يعيش لعدة عقود. ومن ثم تحولت الجماعة وحزبها في نظر القوي السياسية الأخري من مجرد فصيل ثوري شارك في القضاء علي النظام السابق, إلي قوة سياسية تريد الهيمنة علي كل شئ, وتنحو نحو التفرد بوضع دستور يثبت هيمنتها علي البلاد ومؤسساتها المختلفة. إن تأمل هذه المشكلات الثلاث نجد أنها تدور حول فكرة جامعة وهي تراجع مصداقية الجماعة أمام الرأي العام بأسره. وتبدو التعليقات الساخنة والناقدة لسلوك الجماعة في مواقع التواصل الاجتماعي مؤشرا قويا علي مدي الخسارة التي لحقت بصورة الجماعة كمنظمة دعوية وسياسية قدمت نفسها للمجتمع المصري باعتبارها زاهدة في السلطة والحكم, وكل ما تصبو إليه هو خدمة البسطاء وإنهاض مصر. ولكن ما حدث الغي هذه الصورة تماما.