حتي في أسوأ الكوابيس أو المشاهد العبثية في الكثير من الأفلام أو مخيلة المخرجين لا يتصور أحد أن ينهي الجحود حياة إنسان بهذه الخاتمة المؤلمة المخزية. فهذا الرجل الذي كان يعاني قسوة الوحدة ظل كلما أطبقت عليه جدران منزله بصمتها تسمع آهاته ونداءاته دون أن تجيبه ويتذكر أن له ابنة وحيدة شس ويظل كيف كانت تتراقص الفرحة في عين أم ش حينما عرفت أن في أحشائها جنينا وكيف كبرت الفرحة مع أول نظرة أو إبتسامة لفلذة الكبد. تراءت أمام عينيه الساعات الواحدة تلو الأخري تذكرة كيف بذل من عمره وراحته لأجل إبنته ومرت أمامه السنوات كشريط سينما وآلام الجحود أصعب من المرض يتجرعها يقظة ومناما حتي بات لا يدرك في لحظته الأخيرة إلا هذه الجدران الخرساء تحيط به من كل جانب. راوده السؤال كثيرا ماذا يجني الأباء من سعي العمر الطويل ومعاناة السنين هل صارت قلوب الأبناء مثل الحجارة هل سقيت أبنتي الحب قطرة قطرة أم سقيتها الجحود؟! وكان كلما اشتدت عليه نوبات مرضه حيث كان يعاني من تليف الكبد ينادي عليها. كان عم محمد جاره مع الكثير من الجيران في المرات النادرة التي لمحوا فيها ابنته س تزوره يذكرون الابنة أن أباها في اشد الحاجة للاهتمام والرعاية واقترح عليها أحدهم أن ينتقل للعيش معها أو تأتي هي بجواره دون جدوي. يقول عم محمد: حاول المريض العجوز في وحدته ومرضه مع عدم قدرته علي الحركة أن يعيد اكتشاف ما يحيط به في كل مكان مبيته وأقنع نفسه بأنه سوف يظهر له من يؤنس وحدته ولكن هيهات. ويضيف جاره عم سيد تاجر اكسسوارات للمحمول- المسكين حرم من آخر حق للإنسان علي الأرض فلم يجد من يغسله أو يكفنه ويدفنه في سلام مثل باقي البشر فقد سقط من حسابات الكثيرين وأولهم ابنته فقد توفي وظلت جثته حتي أكلتها الفئران بسكنه في ميدان العتبة بالموسكي, ويتابع عم سيد كان ينشرح صدره لأي زيارة بعد مرضه بالكبد وكل من زاره من جيرانه لا حظ أنه كان يسرح كثيرا وينفصل عمن حوله وكانت ترتفع الذكريات والأحداث متتابعة حتي تصطدم بسقف الحجرة فوق رأسه وسيطر عليه الخوف من المجهول. ويضيفوآخر مرة رأيته فيها كانت ابنته في الشارع وهو في غيبوبة وألححنا عليها أن تطل عليه ولكنها رفضت.. ويقول أحد الجيران ويدعي الحاج محمود60 سنة فوجئنا بعد أيام برائحة كريهة تنبعث من مسكنه فقررنا كسر الباب لنفاجأ بأصعب وأبشع مشهد يمكن أن يراه انسان في حياته جثة الرجل وقد تحولت إلي طعام للفئران التي كانت تتسابق علي إلتهام ما تبقي منها أمام أعين الجميع وظن البعض أن هناك من ذبحه من رقبته لاختفائها تماما تحت الجمجمة. وأكمل الحاج محمود بحزن شديد وبصوت مختنق الفئران أتت علي جسد العجوز البائس وتركت بالكاد ما يشبه الهيكل العظمي يكسوه ما تبقي من اللحم وهو الأمر الذي جعل الدموع تقفز من عيني العميد محمد مدكور مأمور قسم شرطة الموسكي والرائدين طارق البدوي ومحمود حجازي معاوني المباحث بعد أن انتقلوا إلي مخدع العجوز. وقال مدكور إن ما رأوه يعجز عن وصفه الكلام ويجب أن يكون عظة لكل إبن أو ابنة يتخليان عن أبيهما أو أمهما وأضاف أنه لا توجد شبهةه جنائية في الواقعة. تم تحرير محضر وأخطرت النيابة التي أمرت في نهاية تحقيقاتها بحفظ المحضر لعدم وجود شبهه جنائية في الحادث.