ودع مسلمو وأقباط قرية سلام بأسيوط مسقط رأس البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية جثمان الراحل نظير جيد روفائيل المعروف كنسيا باسم البابا شنودة الثالث إلي مثواه الاخير من خلال إقامة سرادق بالقرية لتلقي العزاء من أهالي القرية والقري المجاورة, حيث يعيش أهالي القرية حالة من الحزن العميق لفراق الأب الحقيقي لكل المصريين وهو ما كشفت عنه القرية التي اتشحت بالسواد التام وتعالت صرخات أهالي القرية بها مسلمين وأقباطا حزنا علي رحيل أحد الرموز المصرية الدينية الذي كان يضع التسامح الديني نصب عينيه وسعي طيلة الفترة الماضية إلي اخماد نيران الفتنة التي حاول البعض اشعالها في مصر خاصة وأنه كان يسعي دائما إلي إحياء روح الأخوة بين المسلمين والأقباط من خلال وأد الفتن قبل اشتعالها وكذلك من خلال مواقفة الثابتة في رفض الوصاية الأمريكية علي مصر لحماية الأقباط. تلك المشاعر والأحاسيس عبر عنها أهالي القرية من أقاربه وجيرانه الذين أكدوا أن البابا شنودة ولد يتيما ولكنه عاش في قلوب المصريين أجمعين. يقول العم جرجس صموائيل حبيب من أهالي القرية إن البابا شنودة عاش طفولة مؤلمة عندما جاء إلي الدنيا يتيما بعدما فارقت والدته الحياة عقب مولده بثلاثة أيام إثر إصابتها بحمي النفاس وتصادف في ذلك التوقيت قيام إحدي جاراته من السيدات المسلمات بوضع رضيع لها فقامت بارضاع الطفل اليتيم أيضا لحين انتهاء أسرته من مراسم تشييع جثمان والدته ومع انشغال الجميع بتلك الهموم لم يتذكر أفراد أسرته قيده في دفتر المواليد ومضي بدون شهادة ميلاد حتي رحلت أسرته عن القرية عقب خسارة الوالد لأملاكه بعدما قام البنك ببيع200 فدان من أملاكه في مزاد علني نظرا لخسارته في البورصة لتجارة القطن عامين متتاليين واستقر الأب في مدينة أسيوط حيث تزوج مرة أخري وأنجب أشقاء جدد للبابا شنودة ولكن من أم ثانية هم فاروق ورءوف ودولت ومازالوا يقيمون بأسيوط حتي الآن وفي تلك الأثناء رحل الشقسق الأكبر للبابا شنودة ويدعي روفائيل وكان يعمل مدرسا في القاهرة واصطحب برفقته الطفل اليتيم وبعد مرور عدة أعوام عاد البابا شنودة إلي القرية عندما وصل للسن القانونية لدخول المدرسة حيث فوجئ شقيقه بأن الطفل اليتيم لاتوجد لديه شهادة ميلاد فعاد للقرية لتسنينه واستخراج شهادة ميلاد له, وأصبح تاريخ ميلاد البابا شنودة هو3 أغسطس1923 والتحق بالدراسة في القاهرة حتي وصل للتعليم الجامعي بجامعة فؤاد الأول وحصل علي ليسانس الآداب. ويضيف أسحق جيد ميخائيل من أهالي القرية أن حياة الحرمان التي عاشها البابا شنودة جعلت منه أبا لكل المصريين حيث نجح في أن يكون مثالا بارزا لكل المصريين من حيث تحدي الظروف القاسية التي مرت بها الأسرة من رحيل للأم وخسارة لكل أملاك الأسرة وهجرة عن القرية وكلها عوامل أدت إلي تشتت شمل الأسرة ولكن الترابط الأخوي بين أفراد الأسرة دفع البابا شنودة إلي تحدي تلك الصعاب والوصول إلي أرفع المناصب الدنيوية التي عمل من خلالها جاهدا علي توحيد صفوف المصريين وتقوية أواصر الثقة فيما بينهم. ويوضح خالد عبدالله سيد من أهالي القرية أننا لم نشعر أن البابا شنودة قبطي في تعامله مع الجميع ففي خلال زيارته الأخيرة لأسيوط عندما قام بافتتاح كنيسة الملاك بمدينة أسيوط حيث لم يتمكن القطار من الوقوف علي محطة أسيوط وتوقف في محطة باحدي قري القوصية وذلك بسبب الزحام الرهيب الذي كان يشبه يوم الحشر وعندما وصل إلي مقر الكنيسة دعا الجميع الي التكاليف والتماسك مستشهدا بتماسك المباني الإسلامية مع المباني القبطية من حيث ملاصقة كنيسة الملاك لمسجد ناصر أحد أكبر المساجد الإسلامية في أسيوط وكذلك مقر دار الفتوي الإسلامية بأسيوط حيث قال إن لتلك المباني المتلاصقة حكمة تشير إلي وحدة النسيج المصري. ويشير مدحت خليل روفائيل من أهل القرية إلي أن الحزن يكسوا وجوه أهالي القرية جميعا حزنا علي فراق الأب الحقيقي لكل المصريين حيث غرس الحب والمودة والحنان في قلوب الجميع المسلمين قبل الأقباط من خلال مواقفه الشاهدة علي وطنيته والتي كان من أبرزها رفض الحماية الأمريكية للدفاع عن أقباط مصر وكذلك رفضه تدخل السياسة الأمريكية في الشئون الداخلية لمصر لذا قام أهالي القرية بإقامة سرادق لأستقبال العزاء من أفراد القرية والقري المجاورة وذلك تقديرا لتلك الروح الطاهرة التي عاشت بسلام ودعت إلي السلام ورحلت بسلام. ومن جانبه, تقدم اللواء السيد البرعي محافظ أسيوط بخالص العزاء للأخوة الأقباط في مصر عامة وفي أسيوط مسقط رأسه خاصة في وفاة قداسة البابا أحد أهم رموز الوطنية المصرية لافتا إلي أن مصر فقدت رمز الحكمة في الكنيسة المصرية واصفا البابا بموافقة الثابتة أمام جميع التحديات التي واجهتها مصر ومشاركته بمنتهي العقل والصبر في صياغة ميثاق الحب والمودة بين مسلمي مصر وأقباطها. كما أصدر بيت العائلة المصرية بأسيوط بيانا ينعي فيه قداسة البابا شنودة, وقدم التعازي إلي الشعب المصري والعالم العربي وذكر في البيان أن البابا شنودة كان رجلا وطنيا محبا لمصر وشعبها دافع عن الوحدة الوطنية وعلي استقرار مصر وأمنها وكانت له مواقف دولية مشرفة فكان أول من أدان غزو العراق ومنع الأقباط من الذهاب للقدس حتي يذهب معهم إخوانهم المسلمون مؤكدا أن العلاقة بين الأقباط والمسلمين ستظل قوية كما هي وسوف يظل الأقباط شركاء في الوطن.