سئل عنترة العبسي عن سر قوته, فقال أضرب الضعيف ضربة ينخلع لها قلب القوي وزاوية عنترة بن شداد هي احدي الزوايا العديدة التي سوف نتأملها معا في مشهد التمويل الأجنبي لمنظمات العمل المدني. ولكن قبل أن نتأمل مختلف زوايا قضية التمويل الأجنبي لمنظمات العمل المدني, دعنا أولا ننظر الي الصورة الكبيرة, ونفهم موضوع التمويل الأجنبي في إطاره المتكامل. الحكاية ببساطة أن مصر تتلقي معونات دولية فنية ومالية من مختلف الدول, تذهب من خلال وزارة التعاون الدولي الي مختلف وزارات وأجهزة الدولة المصرية, وأكبر المعونات التي تتلقاها مصر هي المعونة الأمريكية, فهي تزيد عن مجموع ماتحصل عليه مصر من معونات ومنح من باقي الدول الأخري مجتمعة,بما فيها الاتحاد الأوروبي فرنسا المترو) واليابان( الأوبرا) حيث تتلقي مصر منذ عام1979 معونة سنوية من أمريكا مقدارها2,1 مليار دولار أمريكي( لاتنسي أن المليار ألف مليون والدولار ستة جنيهات مصرية) منها1,3 مليار دولار معونة عسكرية و815 مليون دولار معونة اقتصادية( انخفضت المعونة الاقتصادية بمعدل تدريجي, بينما ظلت المعونة العسكرية ثابتة) لقد بلغ إجمالي حجم المساعدات الأمريكية المقدمة لمصر حتي2009 نحو58 مليار دولار( أي نحو350 ألف مليون جنيه مصري) منها نحو150 الف مليون جنيه مصري للمعونة الاقتصادية. الأهداف المعلنة من المعونات الاقتصادية( حسب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمصر) هي تنمية الاقتصاد المصري لكي يصبح قادرا علي التنافسية العالمية بما يحقق الاستفادة العادلة لجميع المصريين, فهل تحققت الفائدة؟ وأين ذهبت فلوس المعونة؟ لقد وزعت المعونة الأمريكية علي مختلف الاحتياجات كالتالي. *6,7 مليار دولار للواردات السلعية( برنامج الاستيراد السلعي الذي كان مخصصا في البداية لتمكين مشروعات القطاع العام من استيراد المعدات والمستلزمات الإنتاجية, ولكنه أصبح مخصصا لتمويل الواردات التي تحتاجها مشروعات القطاع الخاص!!) *5,9مليار دولار لمشروعات البنية الأساسية( شاملة مياه الري والصرف الصحي, والصحة العامة, والطاقة الكهربائية, والاتصالات والنقل). *4,5مليار دولار للخدمات الأساسية( كالصحة وتنظيم الأسرة والتعليم والزراعة والبيئة) *3,9مليار دولار للمعونات الغذائية(خلال الفترة1975 1990) *3,3 مليار دولار ومعونات نقدية وفنية في مجال إصلاح السياسات والتكيف الهيكلي) المثير أن هيئة المعونة الامريكية تشترط أن تقوم بإدارة أموال المعونة بنفسها( أو بالمشاركة الفاعلة في ذلك) ومن ثم فهي توجه جزءا من تمويلها لمنظمات العمل المدني لتنفيذ البند المتعلق بقضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي ومشاركة المواطنين والمنظمات الشعبية في صناعة القرار والحكم المحلي, وللعمل علي مراقبة حقوق الإنسان وتمكين المرأة, والتوعية بالاتجاهات المتعلقة بالقيم والممارسات الديمقراطية مع التركيز علي الشباب. وفي الذكري السنوية للثورة( تقريبا) تمت مداهمة مقرات مجموعة من منظمات المجتمع المدني( ومنها بعض المنظمات الحقوقية الأمريكية) وتم تحويل العاملين بها للقضاء بتهمة ممارسة العمل السياسي غير المشروع في مصر وتلقيهم تمويلا من جهات أجنبية. وكادت تتسبب إحالة تلك المنظمات والأمريكيين العاملين بها للقضاء الي أزمة بين مصر وأمريكا ودار الحديث حول قطع المعونة, وانتهت بصدور أمر قضائي بتمكين الأمريكيين والأجانب من السفر, وجاءت طائرة خاصة أقلتهم الي خارج البلاد. دعنا نتأمل هذا المشهد من زواياه المختلفة ومايثيره من خواطر وأسئلة, * زاوية الحق والحقيقة, هل كانت هناك فعلا قضية منظمات عمل مدني وتمويل أجنبي؟ ألم تكن تلك المنظمات مشاركة في مراقبة الانتخابات البرلمانية الأخيرة بترحيب رسمي ووطني؟ وهل المستهدف حقا افتعال قضية لشباب6 أبريل وشباب الثورة؟ * زاوية القضاء والعدل, هل الممارسات القضائية في الإعلام عن هذه القضية والتعامل معها هي المعتادة؟ وإذا اهتزت ثقة الناس في القضاء فبمن يثقون؟ * زاوية الإعلام الأمريكي,لقد صور الأمر أن المصريين( الحكومة قبل الشعب) لا يريدون الديمقراطية منهجا, وهي لاتناسبهم فكيف نصلح الصورة؟ *زاوية التضليل الإعلامي والكذب والضحك علي الدقون بأن هناك خرائط مقسمة وعليها ألوان!! فكيف يبتلع الإعلام مقولته المضللة بأن تلوين الخرائط جريمة؟ * زاوية الرعايا الأمريكان والمصريين وجواز السفر الأمريكي الذي يقول حامل هذا الجواز تحت حماية الولاياتالمتحدةالأمريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء ألا يبعث تأمل المشهد من هذه الزاوية الأسي علي أحوال الرعايا المصريين؟ *زاوية الازدواجية السياسية, فكيف تصدر جماعة بيانا باللغة الإنجليزية ينتصر أون لاين لمبدأ عمل المنظمات المدنية, ولا يصدر نفس الخطاب بالعربية للشارع المصري؟ *من زاوية خلط الأمور, هل يجوز أن ندين من فضح الضغوط وكشف الخطأ ولا ندين الضاغط والمخطيء؟ *زاوية الاستغناء ولعلها أهم الزوايا, فلنتفكر كيف يمكن تقويم الفائدة الفعلية من المعونة, وما الثمن الذي ندفعه مقابل الحصول عليها؟ وهل يساوي؟ وكيف يتم تعافي الاقتصاد المصري بحيث لايحتاج الي تلك المعونة, خاصة أنها لاتتجاوز2% من إجمالي الدخل القومي المصري؟ *زاوية العنتريات والبطولة ورفض الإملاءات أليس مذهلا أن نسمع بعد كل ما جري كلاما عن الصمود والتصدي والركوع والسجود؟ ومتي يتم الاعتراف بالخطأ والاعتذار لارتكابه؟ بالمناسبة,عنترة بن شداد( الأصلي) كان حويطا وحريصا, يضرب الضعيف ضربة ينخلع لها قلب القوي, فمن الذي أخطأ في حسابات القوة وجاء ليضرب القوي وهو لا يقدر عليه؟ ومن الذي قلبه انخلع؟ جامعة الإسكندرية