انتهت القمة العربية الثانية والعشرين بسلام, وهذا هو الأهم. المواطن العربي في هذه المرحلة لا يعلق آمالا كثيرة أو كبيرة علي القمم العربية, ويكفيه أنها تنتهي دون وقوع تلاسن أو مشاحنة بين قادة العرب. غياب التلاسن بين القادة أخرج القمة دون وجبة الإثارة المتوقعة, في نفس الوقت الذي كان في غيابها دليل علي نضج قادة العرب رغم خطورة الأفكار التي طرحها البعض. الملاسنة الوحيدة التي شهدتها القمة جرت بين الرئيسين السوري والفلسطيني حول المقاومة السلمية و المسلحة وأيهما أكثر فاعلية في تحقيق المصالح العربية في هذه المرحلة. ليس من العدل تسمية هذه ملاسنة, فهذا خلاف موضوعي عميق يعكس فيه كل طرف جانبا من الرؤي السائدة في المنطقة. فالعرب الذين جربوا الحرب وجربوا المفاوضات أعيتهم الحيل التي لا يبدو أن أيا منها قادر علي حل قضيتهم المركزية في فلسطين. شخصيا أنحاز لوجهة نظر أبو مازن القائلة بأن المقاومة السلمية مع المفاوضات هي الأفضل للعرب في هذه المرحلة. انحاز لوجهة نظر محمود عباس في الوقت الذي لا أجرد فيه وجهة النظر المقابلة من كل وجاهة رغم اقتناعي بعدم جدواها بل وخطورتها. العرب الذين فقدوا الاهتمام بالقمة, ولم يعودوا يعلقون عليها آمالا بل يتعاملون معها بكل سخرية لن يكونوا أسعد حالا إذا كف قادة العرب عن الاجتماع. في اجتماع قادة العرب قيمة رمزية مهمة تعكس المشاعر العربية السائدة في دول المنطقة, وهي المشاعر التي علي رمزيتها ضرورية لطمأنة الشعوب العربية بأن الرابطة التي تجمعهم مازالت قائمة, وأن قادتهم متمسكون بها. مشكلة شعوب العرب ليست في المشاعر العربية السائدة لكن في خطأ تصوراتهم حول العلاقة بين روابط الثقافة والمشاعر من ناحية وتصرفات ومصالح الدول من ناحية أخري. فالمشاعر والثقافة ليست سوي بعض العوامل التي تشكل سياسات الدول. مصالح الدول هي المحدد الأول لسياساتها, أما الثقافة والمشاعر فلا تزيد عن كونها قليلا من العوامل الكثيرة التي تأخذها الدول في الاعتبار وهي تسعي وراء مصالحها. مشكلة العرب هي الفشل في التوفيق بين مصالح الدول المستقلة ذات السيادة التي تتكون منها الجامعة العربية من ناحية, وبين مقتضيات الرابطة العربية المشتركة من ناحية أخري, وحتي يحدث ذلك فإن التمزق وخيبة الأمل ستظل قائمة.