لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل ذلك الدور الذي لعبه الطلاب في مصر تلك كانت شهادة المؤرخ الفرنسي والتر لاكير نذكرها في يوم الطالب العالمي(21 فبراير من كل عام). دعنا نجوب أحداث القرن الماضي, لقد شارك طلاب مصر في كل الحركات الوطنية, بل هم دائما في طليعتها, فقد كانوا القوة المحركة لثورة1919 م الرافضة للاستعمار, جمعوا التوكيلات لسعد باشا زغلول ليمثل الأمة, وكانوا وراء تكوين البرلمان وإصدار دستور1923 م, وحين أهدر الاحتلال البريطاني الدستور خرج الطلاب في مظاهرة كبري سلمية في عام1935 م, تصدي لها البوليس, وحاصر الطلاب, وأطلق النار عليهم, فقتل طالبين( من الزراعة والآداب), وجرح الكثيرين, وتعطلت الدراسة بالجامعة, وانتشرت المظاهرات, وساد الإضراب والاضطراب في البلاد, المثير أن مجلس اتحاد الطلبة أرسل برقية احتجاج إلي عصبة الأمم وقتها المعروفة بالأممالمتحدة الآن تنديدا بالاعتداء البوليسي بقيادة الضباط الإنجليز علي الطلبة واحتجاجا علي تصريح وزير الخارجية البريطانية الرافض لإعادة الدستور المصري, وأعلن الطلاب عزمهم علي متابعة الجهاد حتي يتحقق الاستقلال. مرت سنين, ووضعت الحرب العالمية أوزارها, وكان الجلاء مطلبا شعبيا, وعقدت اللجنة التنفيذية للطلبة في فبراير1946 م اجتماعا كبيرا داخل الحرم الجامعي طالبوا فيه الحكومة المصرية بعدم الدخول في مفاوضات مع بريطانيا إلا بعد اعترافها رسميا بحق مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل وتوجه الطلبة في مظاهرة سلمية كبري إلي قصر عابدين لرفع مطالبهم إلي الملك, وما كاد الطلاب يتحركون علي كوبري عباس حتي فتحه البوليس عليهم وهاجمهم من الخلف, فسقطوا في النيل في مذبحة مروعة( كمذبحة استاد بورسعيد), واندلعت المظاهرات في الإسكندرية والزقازيق والمنصورة واسيوط احتجاجا علي مأساة كوبري عباس وتضامن اعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب, كما تضامنت معهم اتحادات خريجي الجامعة وخريجي الأزهر وتقرر أن يكون يوم الخميس21 فبراير يوم الجلاء واستجاب الشعب للنداء, فتوقفت الحياة في مصر وساد الإضراب, وخرجت من الأزهر مظاهرة هائلة شاركت فيها الجماهير اتجهت إلي ميدان الأوبرا حيث عقد مؤتمر شعبي اتخذ قرارات بالتمسك بالجلاء عن وادي النيل, وتحرير مصر والسودان, ثم زحفت المظاهرة الكبري بعد انتهاء المؤتمر إلي ميدان قصر النيل وميدان الاسماعيلية( التحرير الآن), ووقع إضراب عام في السودان وسوريا ولبنان وشرق الاردن تضامنا مع الحركة الوطنية المصرية( دون وجود مخطط أجنبي), وتقرر اعتبار يوم21 فبراير يوم التضامن العالمي مع طلاب مصر تكريما لنضال الطلبة المصريين. تمر السنين, ويتغير نظام الحكم في البلاد, ويتحقق الاستقلال, وتقود مصر المد الثوري العربي, ويتطلع العرب لتحرير فلسطين, ويستمر دور الطلبة وهيئات التدريس في التعبير عن الضمير الوطني, فحين أجهض الحلم, رفض الطلاب الأحكام التي وقعت علي المتسببين في نكسة يونيو1967, ورفعوا مطالبهم بإعادة المحاكمة, وإطلاق الحريات العامة, وحين تم إلقاء القبض غدرا علي بعض الطلبة انفجرت المظاهرات, وخرج طلبة الهندسة من كليتهم إلي حرم الجامعة ثم انضم إليهم طلبة الكليات الأخري واتجهوا في مظاهرة كبيرة إلي كوبري الجامعة صوب وسط المدينة. ورغم حصار قوات الأمن استطاع الطلبة اختراق الحواجز والوصول إلي ميدان التحرير وباب اللوق( دون كنتاكي أو هارديز), وانفجرت براكين الغضب الشعبي مطالبة بالإفراج عن الطلبة المعتقلين مرددة شعارات التنديد بالهزيمة, مكررة المطالب بعقد محاكمة جادة للمسئولين عن النكسة, منادية بإطلاق الحريات العامة, فاتخذ مجلس الوزراء برئاسة جمال عبد الناصر قرارا بإلغاء الأحكام التي صدرت وإحالة القضية إلي محكمة عسكرية عليا أخري, وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطائهم مزيدا من الاستقلالية وحرية الحركة لاتحاداتهم, والسماح لهم بالعمل السياسي, فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم1532 لسنة1968 م بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب, وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة. في مطلع السبعينيات اجتاحت مظاهرات الطلبة جميع أنحاء الجمهورية مطالبة بالثأر واستعادة الأرض المحتلة, حتي جاءت حرب العبور في1973 م. حاول النظام السيطرة علي الحركة الطلابية فصدرت في1979 م لائحة معيبة( أطلق عليها لائحة أمن الدولة), ألغت اتحاد طلاب الجمهورية الممثل للحركة الطلابية المصرية, إلا أن ذلك لم يمنع الطلبة من التعبير عن رأيهم, فخرجوا في الأحقاب التالية لينددوا بالقصف الأمريكي علي العراق, وقامت المظاهرات في جميع أنحاء مصر لدعم الانتفاضة الفلسطينية وإدانة الممارسات الصهيونية, كما خرجت جموع الطلبة من جامعات الجمهورية ومدارسها الثانوية والإعدادية وحتي الابتدائية للاحتجاج علي اقتحام جنود العدو الصهيوني وشارون للمسجد الأقصي. ينقضي القرن وتأتي الألفية الثالثة, ويقود الطلبة والشباب ثورة هائلة, شاركهم فيها الشعب المصري بكل طوائفه, ليسقطوا نظاما فاسدا, ويتصدون لآلته الأمنية الجهنمية التي حادت عن الصواب, فكتبوا سطرا مجيدا في الحركة الشبابية والطلابية. تحية لطلبة مصر في يومهم الذي يحتفل به العالم الخارجي, ويتجاهله العالم الداخلي, تحية لشباب تعرض للضرب والسحل والقتل وفقء العيون, ولفتيات تعرضن للتعرية والتشويه المعنوي, وحاربوا وحدهم وما زالوا يحاربون نظاما فاسدا وبقاياه ممن لا يدركون أن الزمن قد تغير وآن لشمسهم المظلمة أن تغيب. تحية لطلابنا وشبابنا وشعبنا الذي أجهض مخططا كريها لتوريث حكم البلاد, تحية للذين وقفوا أمام الحاكم يرددون نداء الأجداد, لقد خلقنا الله أحرارا, ولم يخلقنا تراثا أو عقارا, فو الله الذي لا إله إلا هو, لا نورث, ولا نستعبد بعد اليوم. يحيا الطلبة. جامعة الإسكندرية