القراءة الصحيحة للملفات الساخنة المتعلقة بالعلاقات المصرية الأمريكية تستوجب العودة الي لحظة الحقيقة التي استيقظت عليها العواصم العالمية الكبري والصانعة للقرار الدولي وفي المقدمة منها بطبيعة الحال واشنطن, هذه اللحظة الفارقة في تاريخ المنطقة بل العالم عندما سقط نظام مبارك بسرعة تدعو للدهشة كما قالت نصا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في وقتها. وعلينا التأمل في المشهد الامريكي وقت وقوع هذا الزلزال السياسي في أهم وأخطر مناطق النفوذ والثروات والطاقة. الرئيس أوباما الذي جاء بدوره عقب ثورة غضب مماثلة اجتاحت المجتمع الامريكي بسبب المغامرات الطائشة للرئيس السابق بوش كان واضحا كل الوضوح مع الداخل والخارج في خطاب تنصيبه وتسلمه المسئولية حينما قال بكلمات حادة وقاطعة: أدعو لأمريكا!. الشاب الاسمر الذي أصبح سيدا للبيت الابيض كان يدرك تماما الأخطار الهائلة التي تواجه بلاده نتيجة الاخفاقات العسكرية في العراق وأفغانستان والتأثير المباشر لتلك الانفاقات الضخمة علي الاقتصاد الامريكي الذي بات الاكثر اقتراضا والفاقد لبوصلة العلاج والاصلاح المطلوب. وقعت الثورة المصرية في وقت كانت تستعد فيه امريكا لمرحلة جديدة تشابه الظروف التي صاحبت الحروب العالمية.. حينما انتشرت البطالة وانهارت المؤسسات المالية وساد الخراب البورصة وأفلس الملايين. خطة أوباما فور توليه اعتمدت علي التحرر من قيود الدولة العظمي التي أصبحت الاولي والوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وهو النهج الذي عبر عن نفسه باعطاء الحلفاء في أوروبا الدور الأكبر في معالجة الأوضاع السياسية الملتهبة, وكان نظام مبارك الحليف الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط مع مراعاة الخصوصية المطلقة للعلاقات الامريكية الاسرائيلية لتظل دائما فوق اي تحالفات اخري. انهار نظام مبارك والادارة الامريكية تسير الي طريق العزلة الاختيارية حتي تستعيد عافيتها الاقتصادية, والامثلة كثيرة علي تلك العزلة من مراجعة القواعد العسكرية في أوروبا, واختلاف طرق المواجهة مع كوريا الشمالية وإيران بصورة تدفع اسرائيل الي الاحتجاج ومحاولة القيام منفردة بمهاجمة المنشآت الإيرانية. وعقب الثورة المصرية جري التعامل الامريكي معها علي شاكلة الثورات التقليدية وتسارعت محاولات الاحتواء, واستخدام العصا والجزرة لعل ذلك يبقي علي الحليف السابق. وبمرور الوقت يكتشف الساسة في واشنطن خطأ رؤيتهم وأن الثورة في مصر ثورة شعب وليست ثورة نخبة او جماعة يمكن احتواؤها أو شراؤها. وهكذا تجري المراجعة لتصحيح المواقف قبل فوات الاوان.